آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 1:09 م

الكراهية واستغلال الأزمات

سراج علي أبو السعود * صحيفة الرأي السعودي

يُحسن البعض استغلال الأزمات الإنسانية استغلالًا بشعًا، حينما يُظهر مظاهر السعادة والغبطة بالكوارث الطبيعية أو الأوبئة التي تصيب أقوام الأرض الذين يختلف معهم في الدين أو المذهب أو العرق واللون وغير ذلك.

هذا النمط من السعادة يعبر في حقيقته عن فكرة تم ترسيخها في ذهنه، ملخصها أنَّ الخير محصور تمامًا فيمن يتفق معه، فيما الآخر - أي آخر - هو شر محض لا ينبغي الاكتراث به ولا للآلام التي تصيبه، لأن هذا المسلم - كما يعتقد - هو من يستحق أن يعيش على هذه البسيطة، فيما الآخرون لا يستحقون أن يشاركونه هذه المنزلة.

لم تزل مجتمعاتنا العربية والإسلامية في نسبة تتفاوت من مجتمع لآخر تعيش نوعًا من الكراهية للمخالفين لهم، أسباب ذلك - فيما أعتقد - تعود في جزءٍ منها إلى نمط من الخطاب الديني الأصولي الذي لا يرى الجنة إلا ملكًا شخصيًا له ولأتباعه، فيما الآخرون هم جاحدون، يحاربون الله ورسوله وهم يعلمون الحق ويتركونه بغضًا منهم له، هكذا رسخ هذا الأسلوب في الإنسان العربي والمسلم منذ نعومة أظفاره نمطًا متعاليًا من السلوك والفكر.

وريثما نبحث عن طريقة لبناء مجتمع إسلامي أكثر تسامحًا ومنطقية في التعامل مع خلق الله، فإننا سنضيع البوصلة حينما لا نضع حدًا للوعظ الديني المتشدد الذي يرسخ بأساليب متعددة الكراهية والتعالي على خلق الله، تداعيات انتشار فيروس كورونا في العالم استطاعت إظهار وجه لا يناسب أمتنا العربية والإسلامية حينما تفرغ البعض وعوضًا عن إظهار مظاهر التعاطف مع المرضى والمصابين إلى إظهار مظاهر السرور أو ربما التبرير بأن المصابين ليسوا على المنهج القويم الذي أراده الله سبحانه وتعالى لعباده على الرغم من انتقاله لجميع بلدان العالم المسلمة وغير المسلمة.

هم بذلك يمنحون البشرية صورةً بشعة عن ديننا المتسامح الذي يرى الإنسان إما نظيرًا لنا في الخلق أو أخًا لنا في الدين، وقد جاء القرآن الكريم مؤكدًا على البر والقسط حين قال عز وجل ﴿لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ، ولا أظن أنَّ من البر إظهار الفرح والسرور لمصائب البشر وآلامهم.

من أجمل ما قرأت ومن باب شر البلية ما يضحك ما قيل: إنَّنا ينبغي أن ننتظر من المخالفين لنا في الدين اكتشاف علاج لفيروس كورونا لكي تتعافى أمتنا وتعود من جديد للدعاء عليهم بتجميد الدماء في عروقهم وإبادتهم، هذا تمامًا هو واقع نسبة من مجتمعاتنا المنشغلة بكراهية المختلف، وإلى أن يسود خطاب وعظي يصنع الحب والمودة والسلام في العقول والقلوب ستبقى بعض شرائح المجتمع تسيء إلينا أيما إساءة حينما تتبادل التهاني والتبريكات لما يحل في المجتمعات الأخرى من كوارث وأوبئة.