الحقيقة.... المرة
ما أجمله من منهج واضح ودقيق يرسم الخطى بثقل عقول الحكمة ويحط منازل الحمقى، هو منهج رباني واضح فيه من الدلالات ما يكفي للبصير، كُثر الكارهين لحقيقة البيان وحقيقة صدق النوايا وحقيقة التميز في زمن غاب فيه الناصح، فالحقيقة الموجعة أفضل ألف مرة من الوهم الجميل، فهي قناعة العاقل وميزان العدل لاستمرار الوجود، أما الوهم فهو صنيعة عقل كاذب كنسيج بيت العنكبوت حقه الزوال في ميزان العدل.
بطبعه الإنسان لا يرغب بسماع الحقيقة، لأنها محطمة لأوهامه على صخرة الواقع، فمهما طُمست ستشع من جديد عاجلاً أم أجلاَ، فهي كأشعة الشمس التي تخترق كل مكان موصد، ولا يجب علينا التغافل عن الحقيقة بل مواجهتها بالحقائق والحلول مهما كانت موجعة، فلا يوجد مجتمع من المجتمعات خالٍ من العيوب والأمراض الاجتماعية، إلا أنها تختلف بحجمها ومعدلاتها وإرهاصاتها من مجتمع لأخر ومن مؤسسة لأخرى، وبحسب درجة الوعي المجتمعي والبعد الثقافي والحضاري.
إن كشف حقيقة المتلونين والمتسلقين، بجميع المجتمعات واجب وطني، ومصلحة اجتماعية هامة، فهم عبارة عن طابور خامس، يعملون حسب المعطيات والمواقف والمصالح، متجردين بكل غباء وقبح وإفلاس فكري من منظومة القيم الأخلاقية والشرعية، ومن ومكوناتها الفكرية التربوية، فهم فئة فاشلة لا يستطيعون أن يحققوا بقدراتهم المنمقة الهابطة وكلامهم المعسول ما يطمحون إليه، كما لا يدركون أن سلوكهم منحرف عن مسار الضبط القيمي، والفطرة الإنسانية السوية، فتجدهم يأتي لهؤلاء بوجه ويأتي هؤلاء بوجه أخر، ولاشك أن هذا الداء له دوافعه المريضة النفسية والاجتماعية والعقلية، ناهيك عن الخلل الذي يعتري عملية التنشئة البيئة، والمشكلات الأسرية،، ناهيك عن قرناء السوء ودورهم المؤثر في هذه الآفة المجتمعية البغيضة، أن الأعمال المجتمعية هي أحد مصادر الخير للمجتمعات الإنسانية وظاهرة إيجابية ونشاطاً مهماً، فهو يساهم في عكس صورته الإيجابية ومدى تطوره وازدهاره، علاوةً على كونه سلوك حضاري يعمل على غرس قيم التعاون المشترك بين افراد مجتمعه وكتساب الخبرات وتنمية المهارات الفردية.
يبدو أن للحقيقة نكهة خاصة وأحسبها كذوق القهوة الصباحية، فإن الأكثر أهمية من العمل بالحقيقة هي اكتشافها، وإن معرفتها هي المرحلة الأصعب والأكثر جهداً ومثابرة وثباتاً على الوصول إليها وتمييزها دونما لبس أو تشابه، فحينما تزاحم الدناءة مرتبة الفضل، تصبح قائمة النجاح ليست حقيقية، فمن الحقيقة أن يرتقي الفضل قوة وعنفواناً على رداءة الجبن والخور مع أخر سطر من أسطر قول الحقيقة، أردتها حقيقة مني بمرارة التقبل لأنها تلقائياً هي الفائزة شئنا أم ابينا، وهي الحقيقة، يقول ستيفن كينج " فقط الأعداء هم من يقولون الحقيقة، أما الأصدقاء والأحباب فيكذبون بلا نهاية، عالقين في شبكة الواجب.