كورونا.. وهتك الستر..!
ثمة معاني كثيرة لم يعد بالإمكان تأجيل إدراكها، والقرب من غموض حدودها، وآثارها التي لم انأ عنها ببصري لأنها دالة على ما فينا من ضعف، ومدلة على ما في ذواتنا من عجز وحيرة وقلة حيلة.
سقط أكثر الأشياء ثباتا في هذا العالم، ففي إيطاليا مدرعات عسكرية تحمل جثامين ضحاياه لتحرقها في خشية مذعورة منه لا يرده عن نفوسهم الدفن في صحراء نائية وقصية، بات الإنسان الأوربي المثال الأرقى للحضارة المدنية بكل معارفه وعلومه وعقله يحرق جثامين المرضى صهرا بالنار خشية من العدوى منها. خشية تطوي الصحراء كلها في قلبه، وفي إجراءاته الإحترازية.
كورونا القاتل الخبيث هذا، هتك الستر عنا، فضحنا فضح إنتهازية بعض تجارنا - وجعلنا نرى ونبصر حقيقته، حيوان جشع وأعمى بلا ضمير، فحتى الموت وهو يختطف أمام عينيه أطفالا ونساء وشيوخا واهنة ضعيفة يضرس عليهم المرض الما ووجعا وعذابا ثم موتا. يحبس عنهم الدواء والأدوات ليضاعف ثمنها أضعافا مضاعفة.
فضح «الأنا العمياء فينا» بادر الأغنياء والقادرون منا على خطف الأطعمة والمؤن من الأسواق بما لا يقدر عليه الفقراء، وبما لا تطاله أيديهم..!. كل سعي وقصد بات كاشفا لحال النفوس في أستئثارها وأنانيتها وعماها عن غيرها، وطلب نجاتها بما فيه هلاك العاجزين حولها.
هتك كورونا سترنا ففي أطباق العمى، وإثرة النفس، ونزوع الشره وطغيان الذات على كل ذات غيرها، تعمدنا نسيان - من كان قوته - من عمل يومه -، تلك الفئة العفيفة الضامرة التي تتطلب رزقها بما يقدره الله لها يوما بعد يوم. خابز العجين، وبائع نبات الأرض، والباسط سببا من أسباب نيل لقمة حلال يكابد الصبر عليها حتى ينالها، على رصيف أو باب مسجد. فإن فرض عليه «حجزا» جاع وجاع بجوعه من يعول ومن يطعم، وإن الطلب ذل حاضر، ومهانة لا تقدر عليها كل نفس، ولا يصبر عليها كل قلب. وليس بالقرب إذن ترهف السمع لضراعة متعفف. ولا بالجوار يد تمتد سرا لترفع غائلة الجوع عن ضامر هزيل القدرة، عديم الحيلة. نسينا من يجب أن لا ننساهم في أسترسال النفس نحو طلب نجاتها دون غيرها.
فضحنا هذا الخبيث في كل شيء، فضح أنفاق الشعوب المليارات في سنوات متوالية متعاقبة على التافهين، والمهرجين، ولاعبين الكورة، والراقص بساق، والضارب على طبلة بأكثر عشرات المرات من الإنفاق على العلم والمعرفة وإنتاج العقول التي تجعله يواجه الحرب البيولوجية التي يعمل 450 مختبرا عسكريا لإنتاج أسلحتها القاتلة السريعة والتي تنتهي من القضاء على سكان مدينة كاملة بسرعة الريح وبصمته. وإن الضحايا كالغريق الذي يبتلع الماء شهقته الأولى ثم يصبح عاجزا عن غيرها.
الآن هب لله قلبك، تيقن أن الصدقة تطهرك ويطهرك الله بها أستدر كثيرا لتبصر من خلفك من المؤملين فيك والراجين لكرمك، لا تطلب النجاة لوحدك كانت شربة الماء في بدر تطوف على شفاه صائمين مقاتلين ظمئ تعافها نفس كل واحد منهم خشية أن يكون هناك من هو بحاجة إليها أكثر منه فيكن سببا في إزهاق روحه. يؤثر ولو كان عليه خصاصة. أي حاجة شديدة لا يجد ما يسدها. ولذلك كانوا خير أمة أخرجت للناس وبهذا نصرهم الله بنصره وأيدهم بتأييده. حين إذ سنكون لرحمة الله أقرب، وسيجعل الله لنا مخرجا وسبيلا بقدرته التي لا يعجزها سبب ولا تضعف أمام علة.