هل هناك عزوف عن القراءة؟
ليس أمام المجتمعات اليوم في مواجهة الزحف التقني والتكنولوجي الحديث، وما يصاحبه من طوفان إعلامي ومعلوماتي هائل يقتحم صروحها، وتمر عبره الكثير من الشرائط والأفلام ما لا يمكن أن تحتمله مخيلة الطفولة، من إثارة، وعنف، وثقافة استهلاكية، إلا الاهتمام بالمسألة الثقافية، والنهوض بها، وإيلائها ما تستحقه من رعاية واهتمام حقيقي. فالثقافة تلعب دوراً مهماً في البناء الحضاري والروحي والقيمي والإنساني، وهي شرط من شروط تطور المجتمعات، ومقاومة كل أسباب الضعف والترهل والخواء الداخلي.
وعليه ينبغي تطوير الاهتمام بالثقافة، كفكر ومعرفة ووعي، والتأكيد على أهمية المطالعة والقراءة، كونها وسيلة أساسية للارتقاء بالعقل، ورفع مستوى الوعي، وهي الوسيلة الأسرع للتنمية. فللعلم والثقافة والمعرفة دور مهم في تطور الأمم ورقيها، وأن مشكلة التخلف عادة ما تكون ناتجة عن قصور في مستوى الوعي بأهمية القراءة، حيث يشكل العزوف عن القراءة مظهر من مظاهر التخلف الذي تعاني منه الكثير من المجتمعات.
فحركة الناس وسعيهم في هذه الحياة هو رهين ثقافتهم وأفكارهم، كما يشير فوزي السيف، وأول خطوات النهوض هي خطوة معرفية وثقافية، إذ لابد من إصلاح الثقافات والمعارف حتى يتغير السلوك، ويتغير السعي والحركة، مؤكداً على ”أن المعرفة والثقافة أَولى وأفضل حتى من العبادة“. [1]
إذ أن العبادة التي تُؤدى بشكل واعي منطلق من قاعدة ثقافية صلبه يتحرك فيها العقل والفكر وينطلق إلى الآفاق الأرحب، هي غير تلك العبادة الجامدة التي تؤدى بشكل روتيني تفرضها العادات والتقاليد، والتي كثيراً ما تُقيد الفكر والعقل عن أداء دوره التأملي، ووعي الأمور وعقلها قبل الإتيان بالأعمال المختلفة المناطة بالإنسان في حياته.
غير أن الحقيقة المرة التي تؤكدها تقارير التنمية الثقافية، هي أن هناك عزوف عن القراءة، وعدم الاهتمام بالمطالعة، أو تقدير قيمتها ودورها في رفع مستوى الوعي، والرقي بحال الأمة إلى درجات متقدمة من التقدم والنهوض. فالحقائق، والأرقام، والإحصائيات، والاستبيانات، والدراسات الميدانية، والتقارير الدورية، كلها تؤكد حقيقة هذا العزوف، وتشير إلى أن الفرد في المجتمعات العربية قليلاً ما يقرأ، أو لا يقرأ قط. فتقارير التنمية الثقافية، تبين أن متوسط قراءة الفرد العربي لا يتعدى الدقائق سنوياً، أو أن معدل قراءة المواطن العربي سنوياً ربع صفحة.
"ووفق تقرير التنمية الثقافية، الذي تصدره مؤسسة الفكر العربي، يبلغ معدل قراءة الكتب للمواطن العربي 6 دقائق سنوياً، في مقابل 200 ساعة في الغرب. وفي حين يقرأ كل 20 عربي كتاباً واحداً في السنة، يبلغ معدل قراءة الأميركي 11 كتاباً، والبريطاني 7 كتب. أي أن كل أميركي يساوي 220 عربياً، وكل بريطاني يساوي 140 عربياً، قياساً بقراءة الكتب.
وقد يردّ البعض بأننا في عصر الإنترنت، حيث توقف الناس عن قراءة الكتب المطبوعة. لكن أرقام تنزيل الكتب عبر الإنترنت في العالم العربي غير مشجّعة على الإطلاق، حتى تكاد تكون معدومة. ويكفي إلقاء نظرة سريعة على النقاشات العربية، عبر المدونات ووسائل التواصل الاجتماعي، لنكتشف ضحالة المواضيع التي يهتم بها معظم جمهور مستخدمي الشبكة الإلكترونية". [2]
وعلى الرغم من الأحاديث والنقاشات التي تتحدث عن مشكلة القراءة في العالم العربي، وما يتم تداوله من إحصاءات تشير إلى ضعف معدل قراءة المواطن العربي سنوياً، والهوة الفاصلة بين العرب والأمم الأخرى في معدلات القراءة، إلا أن هناك من يرفض مقولة ”نحن أمة لا تقرأ“، متسائلاً عن خلفية مثل هذه الإحصاءات، أو كيف تمَّت، وكيف تم تغطية العالم العربي بمجتمعاته المتعددة. ويعتبر هؤلاء بأن ما ينشر من مقالات وتحقيقات من قبل بعض وسائل الإعلام حول هذا الأمر غير صحيحة، أو غير دقيقة، وربما تكون منقولة عن مصادر غير معروفة، أو غير موثوقة.