آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 1:35 م

من أجل القطيف

صباح عباس

تزهر القطيف بكوكبة من المفكرين والمثقفين وتضاء سماءها بالنجوم العلمية والطاقات الأكاديمية وتشب على ترابها النخب من أهل الوعي والفكر وأصحاب الرأي ممن يمتلكون الفطنة والذكاء.

اليوم تواجه القطيف تفشي وباء كورونا COVID - 19 في حدث مزلزل وظروف استثنائية لم تعهدها من قبل بإصابات لا تقل عن 85 شخصاً وحجر صحي تجاوز حاجز 4000 مع تعليق أمني في الدخول والخروج حسب قرار وزارة الداخلية في تاريخ 13رجب، كما تم وضع الحواجز الإسمنتية وعزل القطيف عن العالم الخارجي!!

إنها إذن أمام امتحان صعب وتحدٍ كبير ومنعطف تاريخي يتطلب منها الحضور والجهوزية في أعلى مستوياتها.

وهنا يأتي الدور الريادي المرتقب لكل فرد من أفرادها وكل ابن من أبنائها وكل شخصية من شخصياتها العلمية والفكرية ليتصدروا المشهد التاريخي الراهن كما هو المتوقع والمأمول منهم، وتكون القطيف بكل مدنها وقراها بدءاً من صفوى شمالاً وانتهاءً بسيهات جنوباً بمستوى هذا التحدي، لتتمكن من مواجهة هذا الفيروس القاتل الذي انتشر على مستوى العالم أجمع وتجاوز عدد المصابين به إلى ربع مليون مصاب وراح ضحيته قرابة العشرة آلاف إنسان، والعدد في تضاعف وازدياد مستمر وفق الظروف الطارئة والغير مسبوقة التي يواجهها العالم أجمع.

فلقد دُق ناقوس الخطر وأعلنت حالة الطوارئ العام في أكثر دول العالم وأتخذ قرار الحجر المنزلي كعامل وقائي عاجل لمواجهة الأزمة والحد من إنتشار الوباء وفق الحقيقة الصادمة والمؤلمة جداً الماثلة في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي عبر صور شاحنات تنقل مئات الجثامين إلى الحرق أو القبور في مشهد يندى له جبين الإنسانية وتحبس له الأنفاس ويصعب تصديقه ورؤيته!!

لقد انتشر الوباء بسرعة خاطفة من أقصى الارض الى أقصاها في ظروف هي الأخطر والأشد شراسة من أي وقت مضى، فلقد تجاوز الأبعاد والمسافات ولم يبقِ ولم يذر!!

والقطيف كغيرها تواجه خطر هذا الوباء وتعيش هذه الأزمة بل لعلها أشد سوءً وفق المعطيات الحالية حيث يزيد عدد سكانها إلى اكثر من 524182 نسمة وتضيق المساحة الجغرافية الى800 كم2، وهذا يشكل كثافة سكانية مرتفعة جداً مما يضاعف احتمالية نقل العدوى وزيادة عدد المصابين واتساع دائرة الأزمة وفقدان السيطرة!!

ومن أجل القطيف التي منحتنا قيثارة الحب ومن أجل عينيها وعيون أطفالها ومستقبل أبنائها وراحة بال شيوخها، لنجتهد بكل طاقاتنا ولنعمل المستحيل في حفظ الأرواح بأن لا نفقد احد إخواننا أو أبنائنا أو أحبتنا ولا نستيقظ ذات يوم على أخبار مفزعة ومرعبة ونرى ما لا نتوقعه او نتخيله ذات يوم!!

ومن أجل القطيف علينا جميعاً العمل الجاد باحتواء الأزمة لنكون فوق الأزمة وفوق الظروف ونساهم برسم الاستراتيجيات الوقائية ووضع الحلول الناجعة للسيطرة على الوضع قبل أن تنفلت الأمور ويتفشى الوباء وتتضاعف المشكلة ويتضاعف عدد المصابين وعدد الضحايا وقد تضيق دائرة الحلول ويصعب الرهان ويصعب الحل!!

ومن أجل القطيف على أهلينا وأحبتنا في كل مناطقنا في القطيف كباراً وصغاراً رجالاً ونساءً شيوخاً وشباباً أن يكونوا قلباً واحداً وصفاً واحداً ويشكلوا سداً منيعاَ وحصناً حصيناً في مواجهة هذا الوباء الفتاك الذي لا يرحم صغيراً ولا كبيراً وذلك بالإلتزام الدقيق بالتعليمات الصحية والعمل وفق الإحتياطات الإحترازية بالمكوث في البيوت والاحتجاب قدر المستطاع والعزلة حتى تنجلي هذه الغمامة السوداء وتنقشع.

فالظرف صعب والوضع مقلق والمحافظة على الأرواح مسؤولية وأمانة.

ومن أجل القطيف علينا أن نعمل معاً على تجاوز الأزمة وعدم سقوط ضحية واحدة وهذا هو الإنتصار الحقيقي وهذا هو الرهان الأكبر!!

لنعمل معاً على أن يكون وباء كورونا - 19 حدثاً عابراً وتجربة ناجحة ننقلها للأجيال جيلا بعد جيل، فوباء كورونا لم يكن الأول الذي دك حصون القطيف وسلب أمنها وأقلق مضجعها بل تعرضت للأمراض الوبائية عدة مرات فمن وباء الكوليرا الذي انتشر فيها سنة 1118 للهجرة إلى وباء الطاعون سنة 1236 والجدري سنة 1307 للهجرة.

وفي سنة 1893 م عاود وباء الكوليرا انتشاره في القطيف واستمر بين شهري يوليو وأغسطس وكان يصل معدل الوفيات بين 50 إلى 60 شخصاً يومياً كما ذكرت مجلة الواحة في العدد/60 شتاء عام 2010 م.

ونقلت المجلة العربية في عدد ذو القعدة 1415 للهجرة تحت عنوان «الموت الأسود هل يستيقظ من جديد؟» بأنه في نفس السنة 1893 م اجتاح الطاعون بلدان عديدة من العالم وقد بدأ الوباء في هونغ كونغ والصين وأخذ بالإنتشار خلال السنوات العشر التالية عن طريق السفن التجارية التي تنقل البضائع ومعها الفئران المصابة إلى أكثر من 87 مدينة ساحلية في العالم. وكانت الهند أكثر الدول تضرراً إذ فقدت عدة ملايين من سكانها، كما انتشر الطاعون في شرق أفريقيا وفي الإسكندرية ودلتا النيل ووصل إلى سيدني بأستراليا وروسيا وسان فرانسيسكو بالولايات المتحدة وقدر ضحايا الطاعون «الموت الأسود» نحو 12 مليون إنسان.

وأخيراً..

من أجل القطيف دعونا نقرر الخروج من نفق المحنة، معلنين الفوز والإنتصار بعدم تكرار صورة الماضي المُحزن والموجع في فقد الاحبة في القطيف قبل 127 سنة بل بسلامة القطيف ولنرفع الأكف عالياً ونبتهل بالدعاء بالسلامة لأبنائنا وبناتنا من الكادر الطبي الذين سجلوا الرقم القياسي في وفائهم وحبهم ومهنيتهم وهم في الخط الأمامي من المعركة وفي خط النار.

كما نسأله تعالى السلامة لجميع أحبتنا المصابين والعودة إلى أهليهم وبيوتهم سالمين، ونسأله السلامة والعافية للقطيف وأبنائها وأهلها وأرضها وسمائها.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 2
1
أحمد الخرمدي
21 / 3 / 2020م - 4:23 ص
نعم أستاذه
الإلتزام واجب وهو صفة الإيمان
نسأل الله سبحانه وتعالى لمجتمعنا الخير وأن يكون أهلآ للثقة وتحمل المسؤولية.
2
سلام المبارك
22 / 3 / 2020م - 12:21 ص
مقال جميل ودقيق في معلوماته ومصادره