واحة الحب والعلم والسلام
القطيف ولادة الذهب، وواحة الحب والجمال والسلام. عروس المنطقة الشرقية، ووردتها الحمراء المطلة على ضفاف الخليج العربي.
حضارة ممتدة لمئات السنين، وتاريخ يدوي به الزمن، وثقافة، وأصالة، ومواقف. من المسلمات أن للقطيف في كل خير يداً، وما حمله الزمن لها من أمجاد أكبر من أن تحتويه الكلمات.
إن كانت الأمم المتقدمة بلغت أمجادها بالعلم، والإبداع، والمعرفة فالقطيف تحاكيها ألقاً وإشراقا، وإن كانت الأمم الخالدة خلُدت لكمالها، وفضيلتها فالقطيف أمة الخالدين في ذلك، وإن كانت الأمم المتقدمة بلغت مجدها بحسن أخلاقها، وجمال خلقها فالقطيف معبد العشاق وصومعة الموحدين.
ما نلمسه الآن من إبداعات، ومواهب، ومنجزات بلا حدود لرجالها ونسائها في شتى جوانب الحياة؛ ما هو إلا ثمرة طيبة من شجرتها الطيبة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء.
إن نظرة عامة على ما حققته القطيف من أمجاد مختلفة في العقد الأخير من تاريخها المعاصر؛ يكفي لأن يجعلها منارة باسقة في وطننا الغالي.
أهلها ترابيون عشقوا الحب، والسلم، والعلم، والأدب، والذوق الجميل؛ فكانوا مثالا حقيقيا لأخلاق آل محمد ولو باليسير منها.
للطبيعة أثر كبير في عادات وتقاليد مجتمعها وإن اختلفت المقاييس فيما بينهم. كان للبحر مكانه في تفكيرهم الواسع وقلوبهم الرحبة، وكان للنخيل أثر في عزتهم وكرامتهم وعفافهم، كما كان للعشب والجداول أثرٌ في طهارة القلوب ونقاء السريرة. وكان للمنبر الحسيني دوره في الفضيلة والوعي والتربية.
وما هذا الوعي الصحي الكبير الذي تعيشه القطيف اليوم بعد المبادرات الرائعة من المختصين من رجالات الدولة في مواجهتهم لجائحة كورونا إلا كوكبا في سمائها الجميلة.
وما مبادرات الصفوة الطيبة من رجالها ونسائها المخلصين لمجتمعهم القطيفي حديثا إلا وميضا مشرقا من شمسها التي لا تغيب.
حين يقف المجتمع بأسره متحملا مسؤولياته، ومحافظًا على وجوده، وباذلًا الغالي والنفيس في سبيل بقائه؛ فهذا يعني أنه مجتمع إنساني بلغ من الكمال منتهاه.
القطيف واحة تزخر بالرجال والنساء الذين شرفوا بعطاءاتهم التاريخ، وجعلوا بإخلاصهم وتفانيهم وتلاحمهم القطيف شمسا مشرقة في بقاع العالم البشري بأسره. وما رأيناه من علمائها وأطبائها وكوادرها الصحية في مستشفياتها ومراكزها في مواجهة وباء كورونا يكفي لأن يكون منهاجا تتعلمه الأجيال.
وما مبادرة الشباب الخيرين للتجار، ورجال الأعمال، والمستثمرين في تخفيض الإيجارات أو إعفائها تخفيفًا على الناس إلا وردة من بستان كيتوس المجيدة.
غير أني هنا أتمنى أن ننصف التجار الذين لم يدخلوا في المبادرة، وأن نحملهم على الخير أيضا لاعتبارات لا تقل إنسانية وجوهرًا في ذاتها عن روح المبادرة.
كلنا يعلم الحال العصيب الذي تمر به البلاد، والذي يتطلب روحًا جماعية واحدة، وحسّا إنسانيًا رفيعًا، ووعيا كبيرا، وتشخيصا منصفا وأمينًا.
وللحقيقة والتاريخ فحسب؛ فإن الضرر البالغ الذي لحق ببعض التجار وأصحاب الشركات وملاك العقار يفوق في مداه وأثره عوام الناس من المستأجرين والكسبة بمراحل.
تعلمون أن الكبير يبقى كبيرا وإن كلفه ذلك حياته، ولكم في النخيل ألف شاهدٍ وشهيد.
امضوا في مبادراتكم الخيرة الطيبة، ونحن معكم روحًا وبدنا. خفّفوا على فقرائكم، وارحموا ضعفاءكم، ولكن بما لا يرهق الناس، ولا يضعهم محلًا للاشتباه أو التوهين بقصدٍ أو بدونه.
بادروا مطمئنين واثقي الخطى طالما أن نواياكم خالصة وأهدافكم سامية، وطالما أسعدتم قلوبا محزونة، ورويتم أرواحا عطشى، ولَم تسيؤوا لأحد تصريحا ولا تلميحا، وأكبرتم الممتنعين عن الدخول واختلقتم لهم الأعذار.
بهذه الكيفية تكونون قد حكّمتم عقولكم وقلوبكم لتصبحوا قادة مخلصين لا ظالمين ولا مظلومين.