كورونا الجديدة.. من المسؤول؟
تواجه البشرية اليوم تحد كبير في مواجهة هذا الوباء. وكما يتداول في وسائل الإعلام تجري في البلدان المتطورة في صناعة الأدوية محاولات متعددة لإيجاد الدواء الفعال في معالجة المصابين بهذا المرض. وفي نفس الوقت تجري في المعامل والمختبرات الطبية في هذه البلدان التجارب والأبحاث للوصول إلى تطعيم يحمي البشر من التعرض للإصابة بهذا الفيروس مستقبلا.
وحتى الوصول إلى دواء العلاج ومصل التطعيم ستعاني البشرية من خسائر شتى، اولها هي الخسائر البشرية. فالمصابين بهذا الفيروس الذين يعجز نظامهم المناعي عن التصدي له وطرده من اجسادهم سيواجهون معركة شرسة معه، قد لا يكونون مع الأسف الشديد هم المنتصرين فيها.
في تاريخ الصراع من اجل البقاء واجهت البشرية أمراض وأوبئة لا حصر لها وكانت المواجهة تتم دون أسلحة، سوى سلاح العزل والابتعاد عن أماكن تواجد هذه الأوبئة. والتاريخ يرينا كيف كانت أوبئة كالطاعون والجذري والكوليرا والإنفلونزا وغيرها تفتك دون رحمة بملايين البشر في كل مرة تنشط جراثيمها. لقد كانت البشرية تبدو عاجزة في مواجهة هذه الأوبئة حتى تمكن الإنسان من اكتشاف ان هناك إمكانية لخلق تطعيمات ضد هذه الأمراض. وبعد ما استطاع العالم الإنجليزي إدوارد جينز سنة 1798م من اكتشاف تطعيم ضد مرض جدري البقر، دخلت البشرية مرحلة جديدة في صراعها ضد الأمراض الفتاكة. وقد كان للعالم الفرنسي لويس باستور الذي عاش في نهاية القرن الثامن عشر وعلماء بيولوجيين آخرين دوراً ريادياً في اكتشاف وتطوير أمصال جديدة للتطعيم ضد أمراض أخرى.
ومنذ ذلك الوقت والبشرية في تقدم مستمر وتصاعدي في مواجهة الأمراض والأوبئة الفتاكة، سلاحهم العلم ثم العلم. هذا لا يعني ان البشرية تملك الأدوية والأمصال لمواجهة كل مرض، ولكن التقدم الذي يُحرز في مواجهة مختلف الأمراض يمدنا بالأمل بأن البشرية لن تكون عاجزة عن مواجهة هذا الوباء وهزيمته.
ولكن هل سيكون هذا الوباء هو الأخير الذي سيهدد سلامة البشر في كافة أنحاء الكرة الأرضية؟
كبشر سنظل مع الأسف الشديد نواجه أمراض قديمة لم يتم القضاء عليها تماماً، أو أن جراثيمها جددت من نفسها وتمكنت من تكوين مناعة ضد الأمصال المعروفة. كما ان هناك من الجراثيم ما يتحد مع أخرى فتولد جراثيم جديدة أكثر بطشاً وشراسة من أسلافها. هل هذه التطورات في بنية وتركيبة هذه الجراثيم تتم في عزلة عما يفعله الإنسان من افعال ضارة بنفسه وبالطبيعة المحيطة به.؟ وهنا يأتي الجواب مع الأسف إيجابيا ً، أي اننا مسؤولين بصور مختلفة عن حالة البيئة التي نعيش فيها. فالتدهور والتلوث البيئي لم يأتي بنفسه وإنما هو نتاج الأفعال الأنانية المتزايدة للبشر أنفسهم. ولكن هل هذه الأنانية تنمو بالفطرة، أم ان هناك عوامل تدفعها وتحفزها؟ إن الظروف الاجتماعية التي تجعل الإنسان يلهث وراء المال والثروة والسيطرة على الآخرين هي التي تحيله إلى كائن أناني لا يفكر الا في منافعه الخاصة فوق كل شيئا.
إن التنافس والصراع بين الدول الكبرى لأجل السيطرة على البلدان الأخرى والتحكم في مقدرات الشعوب يبوب ضمن عدة عوامل تقف وراء الحروب والنزاعات وحالات عدم الاستقرار المنتشرة في بقاع عدة من كرتنا الأرضية.
إن أشكال وصور هذا الصراع ومحاولة الفوز بأكبر الغنائم تدفع بهذه الدول للبحث الدائم عن أسلحة جديدة تمنحها الفوز أو التفوق في مواجهاتها مع منافسيها. والأمر لا يقتصر فقط على الأسلحة التقليدية التي تصرف على تطويرها مليارات الدولارات، وإنما يتخطاها إلى ابتكار وتصنيع أسلحة جديدة ذات قدرات تدميرية لم تعرفها البشرية من قبل. وإذا كان التوازن في القدرات النووية قد خلق حتى الان كابحاً للمواجهات المباشرة بين ملاك هذه الأسلحة، فذاك لا يعني توقفهم عن البحث عن أسلحة أخرى تمنحهم قدرات لا يملكها الآخرون، كما هو الحال بالنسبة للأسلحة البيولوجية والتي يمكن استخدامها ضد مختلف الخصوم سوى كان ذلك في مواجهات مباشرة أو غير مباشرة. إن الفرد غير المتخصص علميا يجهل الكثير عن هذه الأسلحة، فما يكشف عنها الا معلومات محدودة حيث تجري الأبحاث على تحديثها وتشكيل أنواع جديدة منها في مختبرات محاطة بسرية فائقة وتصرف عليها سنوياً مبالغ ضخمة. وهناك وجهات نظر عديدة علمية وسياسية تدعي بأن الأمراض الجديدة التي لم تكن معروفة سابقاً تأتي ضمن هذه الأسلحة البيولوجية المصنعة في هذه المختبرات. وهو ما يدعم من وجهة النظر القائلة بأن بقاء واستمرار الدول الكبرى في الاحتفاظ بأسلحتهم البيولوجية وعدم التوقف عن تشغيل ودعم مختبراتهم لإنتاج أسلحة بيولوجية جديدة كإنتاج أو خلق جراثيم جديدة فتاكة يشكل مصادر غير ناضبة لتهديد البشرية والدفع بها نحو اوضاع مشابهة لما يمر به العالم اليوم في مواجهة خطر الكورونا الجديدة، وربما أسوأ من ذلك.