كوفيد 19 والناصفة
مع تزايد الإصابات بفيروس الكورونا، أصبح معظم الناس ينامون ويصبحون على اخبار هذا الوباء، وانتشاره جغرافيا وعدد الإصابات في كل بلد من البلدان التي هاجمها هذا الفيروس، وكذلك عدد الوفيات الناجمة عن الإصابة بهذا الوباء. ويعود سرعة تناقل هذه المعلومة وبهذا الشكل من التفاصيل الدقيقة للتقدم الكبير في تكنلوجيا الاتصالات وقنوات الاتصال وتبادل المعلومات بين كافة بقاع العالم. كما أن البحث عن الخبر المثير يدفع بوكالات وشركات الأنباء الخاصة للتسابق في ما بينها للفوز بنقل الخبر قبل غيرها من المنافسين طمعاً في جني مزيداً من الأرباح، وهو ما قد يترك أثره على مصداقية الخبر، أو التركيز على المظهر واهمال الجوهر. ومع تنامي عدد المشاركين في مختلف شبكات التواصل الاجتماعي لم تعد هذه الممارسة مقصورة على وكالات الأنباء وإنما امتدت لتطال مختلف شبكات التواصل الاجتماعي والتي تبدو كمنصات مفتوحة لكل مشارك فيها وغير خاضعة للرقابة الرسمية التقليدية التي عادة ما تتدخل في محتوى ونوعية الخبر المنقول. ولكي يزداد الاقبال على الاشتراك في هذه الشبكات يحاول ملاكها إظهارها كمواقع مستقلة لا تتدخل في محتويات ما ينشر فيها وما يتم تناقله من اخبار متعددة وبسرعة فائقة في نفس الوقت. وهذا ما يجعلها مصدراً مقبولاً من مصادر المعلومة والخبر لدى قطاعات واسعة من الناس يعتمدون عليها في تقييمهم للإحداث التي تمر بهم. ولكن الواقع يرينا كيف أن هذه الشبكات لا تنقل الخبر الصحيح والبريء " فقط، وانما لغرض الاثارة يجري تداول الاخبار التافهة والسمجة. كما أنها تعد منصة مفتوحة يستخدمها البعض في نقل المعلومة الخطأ أو تسجيل ونقل صور وافعال ضارة بالمنفعة المجتمعية، ومعادية لحرية الإنسان، أو تستخدم هذه التسجيلات لتشويه فئة أو طائفة معينة بواسطة وسائل تضليل بارعة، تجعل المتلقي يثق في صحة مضامينها.
وهذا ينطبق على موضوع الساعة ”الكورونا“. فكمية أو حجم المعلومات الذي تنهال علينا من وكالات الأنباء ومحطات التلفزة ومن شبكات التواصل الاجتماعي بمختلف اللغات لا حصر لها. وهو الأمر الذي لا يمكن لنا ان نتجاهله أو نغمض أعيننا عنه، فخطورة الوضع تجبرنا على متابعة ما يكتب وما يبث في جميع القنوات الإعلامية رغم ان به كثير من الغث والمغالطات المقصودة وغير المقصودة. وهنا يطفو سؤال: هل يمكننا ان نقضي أيامنا كلها في متابعة كل ذلك، الا يفترض ان يكون هناك مخرج آخر أو بديل ثان يساعدنا على التقليل من حالات الهلع التي تعصف بنا كل لحظة نستقبل فيها اخبارا مزعجة أو مؤلمة؟
ان الملتزمين بالبقاء في منازلهم انصياعا للتوجيهات الطبية في حاجة ماسة للتقليل من روعهم والقلق الذي ينتابهم كلما طرق مسامعهم خبراً عن تزايد، ليس فقط في عدد المصابين، بل أيضا عن اعداد المتوفين جراء الإصابة بهذا الوباء.
ومن هنا فأن التزام الجهات الرسمية بالشفافية والصراحة والواقعية في إعلام وتثقيف كافة مكونات المجتمع، وإبقائهم على دراية كافية ومحدثة بالوضع الصحي للبلاد يعد مخرجا معقولاً في دحض المعلومات الكاذبة وفي تجنيب المجتمع السلوكيات الخاطئة والضارة.
يحاول البعض ان يذكرنا بأن عدد المتوفين من أمراض أخرى أو حتى بسبب الجوع أو العنف الإجرامي يفوقونهم عددا، وبالتالي فالبشرية ليست مهددة بالفناء من هذا الوباء. هل يجعلنا ذلك نشعر بالرضا عن أنفسنا لأننا التزمنا بالمكوث في منازلنا وقللنا من ساعات الخروج منها.
أتصور ان ذلك مهم جدا، فالوقاية خير من العلاج.
ولكن البقاء في المنزل سعيا وراء السلامة الذاتية في الوقت الذي هناك آخرين في المجتمع لا يملكون الأدوات ولا الإمكانيات التي تجعلهم يختارون هذا المخرج طوعا ماكثون في مساكنهم انتظاراً للفرج، لا يظهر المجتمع متكاتفًا كالبنيان المرصوص، بل وكمجتمع تسوده الانانية وعدم المبالاة بالآخرين.
إننا في حاجة لمبادرات مجتمعية تدعم من نهج الحماية والتقيد بالتعاليم الصحية وفي نفس الوقت تقدم العون والمساعدة للجهات المختصة في مساعيهم لاحتواء هذا الوباء، ولمن هم في حاجة اليها في مثل هذه الظروف الصعبة.
لقد أعلنت الحكومة عن قرارات جديدة للستة عشر يوما القادمة توقف أو تقلل من العمل المكتبي لموظفي معظم الأجهزة والدوائر الحكومية، وتحث القطاع الخاص والمواطنين والمقيمين للجوء إلى التعامل الإلكتروني والعمل عن بعد لإنجاز أعمالهم، وهو ما يوحي بأن الحجر الصحي يمكن ان يطال مناطق أخرى، وأنه قد يمتد على محافظة القطيف لأكثر من أسبوعين قادمين.
وفي ظل هذه الأوضاع الصعبة التي قد تطول أو تقصر «رهنا بما يستجد من تطورات»، وبعد ثلاثة أسابيع من الآن ستحل علينا مناسبة بهية وعزيزة، ألا وهي ناصفة النصف من شهر شعبان. وهي مناسبة تُحيا عبر التواصل بين الناس من خلال إقامة المواليد في المجالس ومن خلال زيارات الأطفال لمنازل الحي وتجميع القرقشان أو الناصفة، وكلا طريقتي الاحتفال بها من المخالطة القوية بين المحتفلين. لقد أصبح معروفا لدى الكل ان المخالطة بين أفراد المجتمع «الذي من الممكن ان يكون بينهم أحد المصابين»، تعد احدى القنوات الفعالة في انتشار هذا الوباء. ولذا فمن الضروري ان نفكر ملياً في عدم احياء هذه المناسبة بنفس الطريقة المعتادة، وكبديل لذلك، اقترح ان تقوم كل أسرة أو كل بيت بالتبرع بقيمة الناصفة إلى أقرب جمعية خيرية من منزلهم. أو أن تقوم كل جمعية وفقاً للأنظمة المتبعة بتخصيص حسابا لهذه التبرعات، لمساعدة أسرة قد يكون عائلها الوحيد تعرض للعدوى وقد تتأخر عودته للعمل، أو أن يكون عائلها قد توقف مصدر رزقه بسبب الحضر الصحي، أو لشراء جهاز طبي يساعد مستشفياتنا على زيادة خدماتها لمرضى الكورونا أو لكل من هو في حاجة لعناية خاصة يوفرها هذا الجهاز.
طبعًا ليس المهم هو قبول هذا الاقتراح أو تبنيه مجتمعيا ولكن المهم هو ان نخرج باقتراحات أو فعاليات تساهم في تمتين ترابط المجتمع وتآخيه. فمواجهة هذا الوباء جمعيا سيكون له مردوده المفيد، الآني والمستقبلي.