هل سيفتقدونك إذا رحلت
سؤال قد يضعك في حيرة من أمرك، أو لربما قد لا يعني لك الكثير. معظم الناس اليوم تائهون، غارقون في بحر لجّي، ترفعهم موجة وتحط بهم أخرى. سلامتهم النفسية باتت تحت المحك. كثرة المُلمّات وتعاظم المسؤوليات جعلت هم الإنسان الأكبر يتمحور في كيفية خروجه من مأزق اللحظة الراهنة، فكيف به يفكر فيما سيحدث له بعد رحيله. هل يفتقده أحد، أو أن يكون نسيًا منسيا..!
لكن يا ترى هل يمكننا تعميم هذا التصوّر على الجميع، أو أن هناك شريحة من المجتمع تعيش حياتها ضمن إطار من الأنظمة المدروسة بعناية ودقة، يعلمون ما يفعلون ويحسبون الصادر والوارد من حيثيات حياتهم، مع إدراك أن ما تعج به الحياة من صعوبات وما يمرون به من أزمات، ما هي إلا جزء لا يتجزأ من حياة الإنسان اليومية وعليهم التعايش معها وتقبلها بروح مطمئنة بقضاء الله وقدره.
طال بنا العمر أو قصر، كلٌ منا له بصمته الخاصة به في هذه الحياة. من اليوم الأول للولادة، يبدأ الإنسان الإعداد لرسم لوحته الخاصة به، بذوقه وتكوينه النفسي والخَلقي، وكأنما الخالق يريد أن يخبرنا بأنه أودع فينا تلك الجينات المجهّزة بأحدث التقنيات، فنشأنا منذ الساعات الأولى على فعل أشياء لم يُعَلمْنا إيّاها أحد، بل انفردنا بها وتميزنا، وهذا ما جعل كل واحد منا مختلفا خَلقًا وتكوينًا عن غيره من الناس.
مساهماتك الحياتية تعني الشيئ الكثير لك ولمن حولك. عملك الجاد وقناعتك الشخصية بأن ما تفعله هو عين الصواب، وأنه يصب في نفس الحساب الذي تم تأسيسه لك يوم أبصرت فيه نور الحياة، يجعلك في حالة من اليقين والثقة بذاتك. أما عملك إن شئت، فلن يكون من قبيل العمل العبثي، وإلا ذهب كغيره مع الريح هباءً منثورا.
من خلال سلوكك الإيجابي وابتسامتك الرائعة، وتفاعلاتك الخيّرة مع الآخرين، أنت تحفر في ذاكرة الزمن قبل العقول، تلك الصورة الجميلة التي تبقى حتى بعد رحيلك عن هذه الحياة.
لا يمكن للآخرين رؤيتك إذا كنت تصر على إبقاء نفسك في النقطة العمياء. عليك أن تعي حاجتك إلى الظهور، وأن تكون واضحا مع ذاتك، وبأنك ذا قيمة، وأنك تحمل من الصفات الجميلة أحسنها وأنقاها. تفعيلك لتلك القيم والطاقات الكامنة بداخلك، مع محيطك العائلي والمجتمعي، له بالغ الأثر في أن تَعْلَقَ صورتك بأذهان الآخرين وتخلق تلك العلاقة الأزلية الحميمية مع كل من تجمعك به علاقة عمل أو صداقة، وعلى نطاق أوسع وأعمق. هذه العلاقة تتجذر في عقول العامة كما الخاصة كجذور شجر الزيتون الذي عشق الأرض فاحتضنته، فأغدق عليها من ثمره وزيته غذاء طيبا ينتفع منه الجسد والروح معًا.
السؤال: هل سيفتقدونك إذا رحلت ‼️
الإجابة صعبة وسهلة في آن واحد. من هذه الدقيقة، اعمل على أن تترك أثرا جميلًا أو عملا خالصا لله بعد رحيلك، يكون بمثابة الصدقة الجارية، ينتفع به من تركتهم خلفك والقادمين من بعدك لسنين طويلة، أما صدى ذلك الأثر، فسيبقى مدوّيًا خارقا للزمن. عندها ربما تكون ممن هم ذوي حظ عظيم، يفتقدك البعيد قبل القريب، وتبكيك القلوب قبل العيون.