أصنام الجهل ومعركة كورونا
في هذه المرحلة الحرجة التي يشهدها العالم نتيجة تفشي وباء كورونا، هناك من يريد أن يستغل هذا الحدث في دغدغة مشاعر الناس بنسج شيء من قصص الخيال الموروث عبر تمرير بعض من التفسيرات الوهمية بين عقول الناس الذين يعيشون همّا مشتركا يصحبه جزء كبير من الهلع والخوف على حياتهم نتيجة الأرقام والإحصاءات التي تعبر عن حجم آثار تفشي هذا الوباء على عصب حياتهم وحركة نشاطهم بمختلف مجالاتها، محاولين التشبث ولو بشيء بسيط يعيد لهم حياتهم الطبيعية.
في الوقت الذي نرى مساعيَ وجهود عالمية في العمل للحد من انتشار الوباء، نجد في المقابل ممن يحسبون على الدين والاجتماع من يستغل هذا الظرف وضعف الناس وبدون مبالاة عبر بث تصورات وهمية ومعتقدات خارقة استخفافا واستهتارا بأرواح الناس دون أدنى تحمل للمسؤولية الدينية والإنسانية، هم بهذا لا يدركون حقيقة نتيجة فعلهم بقصد أو بدون قصد في زيادة رقعة انتشار الوباء وتمكنه في القبض على مفاصل الحياة الصحية والاقتصادية.
ولعل من الواضح أن أولئك ومن على منابرهم يعتقدون اعتقاداً جازماً أن الخلاص من هذا الوباء هو بالإيمان ببعض من تلك الاعتقادات والتصورات التي تعبر عن تساهل وتغافل حقيقة ما تفرزه تلك الأقوال والأفعال من نتائج عكسية وسلبية في زيادة رقعة مساحة انتشار الوباء، كتلك الدعوة في تقبيل مرضى الكورونا من فمهم وأن الفايروس لن يصيب زوار المراقد الدينية، مطالبين باستمرار الزيارات الدينية وصلوات الجماعة في تلك المراقد، تلك الدعوات تأتي بتعارض مع دعوات المنظمات الطبية والمرجعيات الدينية في إلغاء كافة التجمعات وصلوات الجمعة والجماعة والمناسبات الدينية والاجتماعية في محاولة لتجنب الاختلاط لمنع تفشي مرض فايروس كورونا.
من هنا ينبغي التنبيه إلى أهمية الأخذ بتوجيهات الدوائر المختصة وإرشاداتها وضرورة ذلك مع الأخذ بالنصائح والإرشادات النفسية والاجتماعية كعدم الخوف والهلع.
إن الأخذ بمزيد من تلك الاحتياطيات والاحترازات الصحية الوقائية من أي عدوى بالبعد عن أي تجمع في أي مكان يحتمل فيه انتشار الوباء ولو باحتمال ضعيف، يمثل مقصدا من مقاصد الدين والعقل والأخلاق، وأن الأخذ بالأسباب والمسببات هي من أساس الدين الراسخ في قلوبنا وعقولنا.
وعيُنا لتلك الحقائق والمفاهيم كفيلة في الحد من انتشار الوباء، ويبقى إيماننا وثقتنا بعد الله بالجهود المتواصلة للعلماء المختصين في البحث والدراسة والتجارب العلمية والمختبرية في اكتشاف لقاح وعلاج مقاومة لفيروس كورونا، وتشير الأخبار أن هناك 30 دولة حول العالم تقوم بتجارب لقاحات وعلاجات لفيروس كورونا، بل هناك وبحسب منظمة الصحة العالمية تم تلقي طلبات لمراجعة واعتماد 40 اختبارا تشخيصيا وهناك 20 لقاحا قيد التطوير، مبينة أن هناك العديد من التجارب السريرية جارية، ويتوقع ظهور نتائج أولية في غضون أسابيع. وترى أن الصين هي الأقرب لإنتاج لقاح مضاد لكورونا وستجري الاختبارات قريباً، في ذات الصدد تشيد بدور الحكومات في سعيها للحد من انتشار الفايروس.
من هنا.. فإن الاستهتار بتوجيهات المختصين أو محاولة البعض في استحمار عقول الناس بإضفاء بعض من القداسة على الكثير من معتقداتنا الخاطئة وتصوراتنا الوهمية بتوظيف الدين، لهو ضرب من ضروب الجهل في داخلنا، وأن المعركة الفعلية هي مع أصنام
الجهل أكثر من المرض؛ كونهم يساعدون على اتساع رقعة انتشاره.
نحن نرى كيف العالم الآن يئن وجعا وألما من وباء لا نعرف إلى أين سيأخذنا؟ كل المدن في الحجر الصحي جراء التصاعد الكبير في مستوى الإصابات، علينا أن نعتبر ممن هم حولنا.
لقد باتت أدوات المعرفة ومصادرها المتنوعة متاحة بين أيدينا، وباتت حجة علينا في تتبع العلم والمعرفة وما ينتج عنها من معطيات وحقائق علمية دقيقة تخضع للنقد والتقويم، مما نضمن حفاظها على كرامة الإنسان.
إن إنكار الفرد لبعض من تلك التصورات والمعتقدات، وأن أخذه بحقائق العلم ومعطياته لا يتنافى مع حقيقة إيمانه الروحي والعقدي ويقينه بدينه بل الدين يدعو للأخذ بالأسباب، فالأمراض ليس لها علاقة بإيمان الإنسان بل تعود لطبيعة ثقافته الصحية ووعيه.
إن دعوة المرجعيات الدينية والصحية بإلغاء كافة التجمهرات البشرية وصلوات الجماعة في دور العبادة لا علاقة له بإيمان الناس أو عدمه بل إن قرار المنع ذلك قائم على حقائق علمية صحية من أهل الاختصاص والعلم، فلا أحد يزايد على إيمان الناس ويقينهم بدينهم، فالرهان على مجابهة فايروس كورونا الذي طال كل بقاع الأرض بمختلف طوائفهم ومذاهب وقومياتهم ودياناتهم من الانتشار في مجتمعاتهم، عائد لمستوى وعيُنا والتزامنا بالقرارات الاحترازية والوقائية التي تحث عليها الجهات المختصة.
إضافة إلى نشر كل ما يعزز المبادرات الإيجابية بالتعاون مع كافة الجهات ذات الصلة لمعالجة الأزمات الناتجة من مرض كورونا في مجتمعنا.