آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 2:20 ص

الإعلام وكورونا.. أيهما أخطر؟

لم يعد الإعلام المعاصر مقتصراً على القنوات الفضائية، والإعلام الرسمي فحسب، بل أصبح اليوم بإمكان كلِّ فردٍ بيده هاتف نقّال ذكي أن يمتلك قناة إعلامية شخصية وينشر ما يريد، كيف يريد، متى يريد.

ووسط هذا التقدم والتطور التكنولوجي والإعلامي الذي لم تشهد له البشرية نظيراً من قبل ظهر وانتشر هذا الوباء الخطير كورونا، والذي صنّفته منظمة الصحة العالمية كوباء عالمي.

ولك أن تتخيل حجم القنوات الإعلامية التي ترصد حركة انتشار هذا الفايروس الخطير، وكيف أن كلَّ جهةٍ تتحدث عن ذلك تجدها تُضيف ما تشاء، وتحذف ما تشاء، وتعبّر بالطريقة التي تشاء، سواء بوعيٍ وقصد أم بعفوية وطبيعة بشرية. وبالتالي نحن أمام جهتين: كورونا الذي ينتشر بسرعة مخترقاً القارات، والإعلام الذي يرصد حركة انتشار هذا الفايروس؛ فأيهما أخطر؟!

إن المتأمل بوعيٍ يجد أن التعاطي مع هذا الحدث الخطير يتم بأحد اتجاهين:

الأول: استغلال الظرف لمصالح شخصية، فالبعض لا يردعه وازع من دين ولا أخلاق ولا قيم، وكل ما يهمه أن تتحقق مصالحه الذاتية سواء تمثّلت تلك المصالح في الكسب المادي أو الظهور الإعلامي أو الفساد الإجتماعي؛ وكلٌّ بحسب توجهه وأهدافه وغاياته، وقد يظهر البعض من هؤلاء بلباس الدين والتقوى أو التوجيه والإرشاد للناس ورفع مستوى الوعي لديهم، إلا أن ما تُخفي صدورهم أعظم، حتى وإن لم يلتفتوا إلى حقيقة ذواتهم فهم محاسبون أمام الله سبحانه على ما يقترفونه من ذنبٍ عظيمٍ خصوصاً في مثل هذه المرحلة الحساسة التي لا تحتمل أي مزايدة، فالناس لا ينقصهم الخوف كي يأتي من يصبَّ الزيت على نار الخوف والقلق لدرجة أن البعض من شدّة الخوف والقلق أُصيب بالهوس، وهذا خطرٌ عظيم.

الثاني: استثمار الظرف للارتقاء بوعي الناس، فكما يُوجد جهاتٌ سلبيةٌ فإن مجتمعنا يزخر بالطاقات الإيجابية التي تحترم ذاتها وتحترم موقعها فتتحدث بما يوجب عليها تخصصها في مثل هذا الظرف الخطير.

وحسب قناعتي فإن الجهات التي يحق لها التحدث في الظرف الراهن لمواجهة خطر انتشار الفايروس كورونا هم ثلاث جهات فقط، وبقية الجهات التي تحمل همّاً اجتماعياً ووطنيّاً ينبغي عليها نشر ما تبثه هذه الجهات الثلاث دون مزايدة، لأنه في بعض الأحيان تكون المزايدة أخطر من الخطر الذي نواجهه بسبب وباء كورونا؛ وهذه الجهات هي:

أولاً - الجهات الصحية؛ وهي أهم جهة في هذا الظرف باعتبار أن الوباء موجّه ضدّ صحة الإنسان، ولا تتحقق مواجهته إلا باتباع ما تقدم الجهات الصحة من توجيهات وإرشادات. ولذا لا داعي لأن يتلبس كلُّ أحد يمتلك هاتفاً نقّالاً دور الجهات الصحية، فطالما لست متخصصاً فلا تتحدث بما لا يعنيك ودع غيرك يقوم بدوره وواجبه، يقول تعالى: ﴿وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً ”الإسراء، 36“. نعم يمكنك نشر ما يصدر عن الجهات الصحة، بلا مزايدة أيضاً، ولتحتفظ برأيك الشخصي لنفسك.

ثانياً - الجهات الدينية؛ فباعتبار أن الوباء يؤثّر على صحّة الإنسان، والإنسان مسؤولٌ عن نفسه، كما أن هذا الوباء قد يطال الآخرين ويضر بصحتهم، لذا لزم في مواجهته توجيه الناس بالجوانب الشرعية المرتبطة بالموضوع، وهنا أيضاً مسؤوليتك إن لم تكن ضمن هذه الشريحة هو نقل ما يصدر عنها دون مزايدة، فلتدع الناس يمارسون دينهم وفق ما يعتقدون، ولا داعي لخلط الأوراق ببعضها، حفاظاً على سلامة الناس، وتحقيقاً لتجاوز هذه الأزمة بسلام.

ثالثاً - الجهات الرسمية؛ فهي المسؤولة عن حفظ أمن واستقرار البلد، فطبيعي أن تصدر من الجهات الرسمية توجيهات احترازية لمواجهة هذا الوباء، وهو ما حصل بالفعل من قبل وزارة الداخلية ووزارة الصحة في بلادنا حيث أن المسؤولية تتطلب من هذه الدوائر الرسمية تقديم كل ما بوسعها لأمن وسلامة المجتمع، وهنا أيضاً ليس مطلوباً منك إن كنت مهتماً بالشأن العام سوى نشر ما يصدر عن هذه الجهات الرسمية من توجيهات احترازية دون مزايدة، ففي بعض الأحيان يصدر عن الجهات الرسمية توجيه احترازي إلا أن تناقله بين الناس يصوّر وكأننا بصدد مواجهة الموت المحتّم، وعلى كلٍّ واحد أن يكتب وصيته قبل نومه.

أيها الأحبة كما أن الاستهتار بالحدث الذي نواجهه والخطر المتمثل في هذا الوباء يعبّر عن حالة من عدم الوعي واللامبالاة بل قد يعبّر الاستهتار عن نقصٍ في الوازع الديني والقيمي والأخلاقي، فإن التهويل لا يقلُّ عن ذلك خطراً وضرراً على الناس إن لم يكن أعظم. فليس مطلوبٌ من الناس سوى التحلي بمزيدٍ من الوعي وبذلك سنتجاوز هذه المرحلة بسلامٍ إن شاء الله.

وكما أن هذا الوباء خطير جداً، فإن الإعلام غير الموجّه لا يقلّ خطراً منه. فإن كنت من هواة وسائل التواصل الاجتماعي فلتجعل هوايتك بما يخدم المجتمع والوطن، وليس بما يُحقق أهدافك الشخصية متجاوزاً المصلحة العامة للمجتمع والوطن. ولذا على الجميع تحمّل المسؤولية كلٌّ بما يتناسب وموقعه، وعدم التجرؤ ومزاحمة الآخرين في مجالاتهم ودورهم الذي يحدده تخصصهم وموقعهم الاجتماعي.

حفظ الله تعالى مجتمعنا ووطننا الغالي من كلّ سوء؛ اللهم اكشف هذه الغمة عن هذه الأمة بحضوره، وعجّل لنا ظهوره، إنهم يرونه بعيداً ونراه قريباً، برحمتك يا أرحم الراحمين.