كورونا والغطرسة البشرية
حين يعتقد الإنسان أن ما يجري من أحداثٍ هنا وهناك إنما هو أمرٌ طبيعي، فالتغيرات المناخية المفاجئة طبيعية ضمن التحولات المناخية، وهجوم أسراب من الحشرات في هذا البلد أو ذاك لا يخرج عن دائرة الأمور الطبيعية والتي تحصل بين حينٍ وآخر، وانتشار وباء يمكن أن يفتك بروح الإنسان أيضاً طبيعي حاله كحال الأوبئة التي عصفت بالبشرية على مرّ العصور والأزمنة، والإنسان بما يمتلك من قدرة عقلية جبارة قادرٌ على مواجهة كلّ هذه التحولات التي تعصف به؛ هنا لا يجد الإنسان نفسه بحاجةٍ إلى إعادة النظر بجدية في طبيعة حياته، وممارساته، وعلاقته بخالقه سبحانه وتعالى، والحال أن الله تعالى يقول: ﴿وَمَا نُريهِم مِّنۡ ءَايةٍ إِلَّا هِىَ أَكۡبَرُ مِنۡ أُخۡتِهَا وَأَخَذۡنَاهُم بِٱلۡعَذَابِ لَعَلَّهُمۡ يرۡجِعُونَ﴾ ”سورة الزخرف 48“، ويقول تعالى: ﴿وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَا فِى قَرۡيةࣲ مِّن نَّبِىٍّ إِلَّاۤ أَخَذۡنَاۤ أَهۡلَهَا بِٱلۡبَأۡسَاۤءِ وَٱلضَّرَّاۤءِ لَعَلَّهُمۡ يضَّرَّعُونَ﴾ ”سورة الأعراف 94“.
من جانب آخر حين تجد هناك خطاباتٍ جلّ تركيزها على قدرة الإنسان على مواجهة الأزمات التي تعصف به، دون أن تحمّل هذا الإنسان مسؤولية ما يجري وما يحصل فإن مثل هذه الخطابات لا تعالج جذر المشكلة.
فالأخذ بالأسباب أمر مهم، ومواجهة الابتلاءات بمزيدٍ من الدراسة والبحوث أمرٌ في غاية الأهمية، والإجراءات الوقائية والاحترازية في جانبها الصحي بالغة الأهمية، ولكن ذلك وحده لا يعالج جذر المشكلة، نعم إنه قد يقضي على الأعراض الآنية، ولكنه بدون شكّ لا يحقق معالجة الجذور لأن التعاطي مع هذه الأزمات بهذا المستوى فقط لا يأخذ جذور المشكلة بعين الاعتبار.
نعم إن الابتعاد عن الله سبحانه وتعالى، وعن القيم الحقّة، وعن المبادئ الأصيلة هو جذر المشكلة. وقد تكون هناك شعائر وعبادات إلا أنها حين تكون فارغة من محتواها عند البعض فلا تتجاوز تلك العبادات والشعائر الجانب الشكلي والظاهري منها، فإنها لا تحقق الهدف الأساس وهو الرجوع إلى الخالق سبحانه.
وحين تشاء الحكمة الإلهية بأن يبتلي الله الناس بمثل هذا الوباء الذي أرعب العالم أجمع، فهو لا يقتصر على المذنبين فقط بل إنه يشمل المذنبين وغيرهم، وهنا تحضرني هذه الرواية عن الإمام الباقر إذ يقول: «إن الله عز وجل أوحى إلى شعيب النبي أني معذب من قومك مائة ألف أربعين ألفاً من شرارهم، وستين ألفاً من خيارهم. فقال : يا رب هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار؟ فأوحى الله إليه: إنهم داهنوا أهل المعاصي ولم يغضبوا لغضبي».
ولذا حين يجد الإنسان نفسه فوق مستوى الابتلاء، وأنه قادرٌ على مواجهته، فعليه أن يحضّر نفسه لابتلاءٍ أشدّ وأعظم، حتى يتحقق فيه الخضوع المطلق للخالق جلّت قدرته، وعدم المجاهرة بالمعاصي. ولنا في القصص القرآنية أشد العبرة والموعظة، فكم من أقوامٍ أهلكهم الله تعالى لأنهم تغطرسوا في الأرض، وتجاهروا بالمعصية معتقدين أنهم قادرين على مواجهة القدرة الإلهية، فأنزل الله تعالى عليهم عذابه ونقمته.
وأخيراً فإنه لا علاج لهذا الوباء وما سواه من التحولات التي تعصف بالأمة إلا بالرجوع إلى الخالق سبحانه والاعتراف بين يديه تعالى بالتقصير، فالمعالجة الآنية لوباء كورونا أو غيره من الأزمات لا تعني نهاية المشكلة إن لم يتحقق الرجوع الحقيقي والخضوع المطلق للخالق سبحانه وتعالى، وإلا فليحضر الإنسان نفسه لابتلاءٍ أعظم لا يمكنه حتى مجرّد التكهّن به.
والعودة إلى الله تعالى لا تتطلب إبرازها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وعبر وسائل الإعلام المتعددة، فهذه الوسائل باتت لا تخلوا من الرياء. إن الرجوع للخاق سبحانه يحتاج فقط لإعلانٍ داخلي حقيقي من أعماق نفس الإنسان بالخضوع له تعالى، حينها يرفع الله تعالى بقدرته هذا البلاء.
ونرجو الله تعالى أن تكون هذه الإرهاصات التي تعصف بالأمة إنما هي مقدمةٍ لفرج عظيم يتحقق بظهور وليّ الله الأعظم الذي يحيي معالم الدين الحقّة، وينشر راية العدل والهدى في ربوع العالم أجمع.
اللهم أرني الطلعة الرشيدة، والغرة الحميدة، واكحل ناظريَّ بنظرة مني إليه يا أرحم الراحمين.