تأثير المرئيات في وعي الطفل وثقافته
في عصر الفيسبوك وتويتر والشبكات الاجتماعية، عصر الإنترنت والعصر الرقمي، يكثر الكلام ويتشعب حول إشكالية الطفل والإعلام، وحول السبل والطرق المختلفة لتأمين إعلام جيد وفعال لجيل المستقبل في ظل التغول التكنولوجي، والذي أشرنا إليه في المقالين السابقتين، وما هي الأفكار والقيم والعادات والتقاليد التي يمكن أن يغرسها ويُلقِّنها الإعلام للطفل؟ وما هي طبيعة ومضمون المنتجات والمواد الإعلامية التي تقدم للطفل وتسهم في تنمية قدراته النفسية والفكرية والتعليمية؟
إن ما يستوقفنا عند الحديث عن اشكالية الطفل والإعلام هو التدفق الغزير للمواد الإعلامية الأجنبية، وهيمنتها على الحجم الإعلامي المقدم للطفل، ليس فقط في الحجم الكمي، وإنما الكلام هنا أيضاً عن المضمون الكيفي، وعن المحتوى والقيم التي تُقدم عبر هذه المواد. فالمواد الإعلامية المستوردة، كما يلفت محمد قيراط، "أُنتجت لمجتمعاتها ولأطفالها، وأنتجت حسب معطيات معينة وأهداف معينة، قد تختلف تماماً بل تتناقض والقيم والأخلاق والعادات العربية الإسلامية.
ولعل من المشاكل الكثيرة التي تترتب على استهلاك الأطفال للمواد الإعلامية، كما يوضح قيراط هي طريقة وكيفية التعرض، فالطفل منذ صغره لا نعلمه عادة القراءة والتعود على استهلاك المطبوع، وهذا خطير جداً، لأن اكتساب هذه العادة عند بلوغ سن المراهقة أو الرشد يصبح أصعب، كذلك فإن استهلاك الطفل للمادة الإعلامية الموجهة للكبار، يشكل خطورة كبيرة على الطفل، حيث يعرضه لمشاهد العنف والجريمة ومشاهد أخرى كثيرة قد تؤثر سلباً في شخصيته.
بالإضافة إلى ذلك فإن من أبرز المشاكل التي يعاني منها الطفل لدى استهلاكه للمادة الإعلامية، عدم إشراف الأهل عليه، ففي معظم الأوقات يشاهد الطفل التلفزيون بنفسه دون مراقبة أو توجيه، وهذا يعني أن بإمكانه أن يشاهد ما يشاء ويفسر ويفهم المادة التي يتعرض إليها كما يشاء.
ويلاحظ قيراط أيضاً أن نسبة كبيرة من الأطفال في وطننا العربي تسهر حتى وقت متأخر من الليل، ما يعني أن ساعات التعرض للتلفزيون قد تصل إلى سبع ساعات وأكثر في اليوم، وهو الأمر الذي قد يكون على حساب القراءة والمطالعة والقيام بالواجبات ومراجعة الدروس، حيث أكدت الدراسات الإعلامية أن التحصيل المدرسي يكون ضعيفاً عند الأطفال الذين يشاهدون التلفزيون بنسبة كبيرة ودون مراقبة وتوجيه". [1]
وبناء على هذه الخلفية العامة فإنه ليس أمام مجتمعاتنا اليوم في مواجهة هذا الحجم الإعلامي المقدم للطفل، والزحف التقني والتكنولوجي الحديث، والتي أصبحت متاحة للجميع بما فيهم الأطفال، وما يصاحبه من طوفان إعلامي ومعلوماتي هائل يقتحم صروح مجتمعاتنا، وتمر عبره الكثير من الشرائط والأفلام ما لا يمكن أن تحتمله مخيلة الطفولة من إثارة وعنف ومشاهد أخرى كثيرة قد تؤثر سلباً في شخصيته، إلا الاهتمام بموضع الثقافة، وثقافة الطفل على وجه الخصوص، والنهوض بها، وايلائها ما تستحقه من رعاية واهتمام حقيقي.
لقد أجمع الخبراء على أن تأثير الإعلام في الأطفال له جانبان: أحدهما إيجابي، والآخر سلبي، والقنوات الفضائية الموجهة للأطفال مثلها مثل كتب الأطفال الموجودة في السوق وعلى أرفف المكتبات، كما تقول إيمان الخطيب، ”منها الجيد، ومنها الغث. والذي يهدف إلى تسويق بضاعة ما، أو فكرة ما. وفي بعض الأحيان يقوم بالعمل أشخاص غير مؤهلين. والمشكلة عندما يتصدر أشخاص غير مؤهلين ولا يدركون الآثار التربوية لعمل يسقى للأطفال ويؤثر على ثقافتهم، وكل همه تسويق العمل والربح... فماذا عساك أن تقول لمن لا يعلم، ولا يعلم أنه لا يعلم.“ [2]
إن دور الإعلام في الرقي بثقافة الطفل يجب أن يكون حيوياً لجهة رصد أفضل الطرق والوسائل التي تساعد على حماية الأطفال من التأثيرات السلبية التي تصاحب هذا التدفق الإعلامي والمعلوماتي الهائل، وتوفر لهم البيئة المناسبة للتطور. والحديث عن الإعلام الراهن، يتطلب وعياً بأدواته الجديدة، والتي تلعب فيها وسائل التقنية الجديدة وأدواتها المختلفة دوراً محورياً في التأثير، ليس على الأطفال فحسب، بل حتى على الكبار أيضاً.