آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 7:35 م

محاربة الفقر.. السبل والوسائل

عبد الغفور الدبيسي

شكل الفقر كظاهرة اجتماعية قلقًا للإنسان على مدى تاريخه وادرك منذ زمن طويل الاثار السلبية الواضحة والتداعيات الخطيرة على الافراد والمجتمع والنظام العام. وشكل الوعي بهذه الظاهرة فهما لمتلازماتها من الفساد الخلقي والجهل والتهديدات الأمنية للمجتمع

ونحن المسلمين نجد في تراثنا الكثير من التشريعات والسنن التي ندب اليها الدين تدور حول معالجة هذه الظاهرة من الصدقات الواجبة الى الصدقات المستحبة الى الحض على مساعدة الفئات الضعيفة كالأيتام والأرامل الى الحض على العمل والإنتاج الى تقبيح الحاجة ومسئلة الناس وغيرها مما فاضت به كتب التراث. وبعض من الكلمات المأثورة تشير الى مدى الفهم العميق لهذه الظاهرة من قبيل ما أثر عن امير المؤمنين علي في قوله «لو كان الفقر رجلا لقتلته»

ولقد فكر الانسان منذ القدم في هذه الظاهرة وأسبابها وتجلياتها وآثارها وكيف يمكن الحد منها ومحاربتها. وتقوم اليوم لهذا الغرض العديد من المنظمات العالمية والوطنية العاملة في هذا المجال بالاضافة الى العديد من مراكز البحث التي تحاول تسليط الضوء على ابعاد الظاهرة والتغييرات الاجتماعية والاقتصادية المؤثرة فيها وسلوكيات هذه الفئة الاجتماعية وكيف يمكن مساعدتهم للنهوض خارج حالة الفقر والحاجة.

وان كان وجود الفقر كحالة اجتماعية أمرا واضحا لا اختلاف عليه فان تحديد هذه الحالة بمحددات واضحة تميز حد الفقر أمرًا صعبًا تتداخل فيه متغيرات كثيرة. فهذا الحد امر نسبي يختلف باختلاف المجتمعات ويختلف من وقت لآخر حسب تغير ظروف المعيشة والسلوكيات الاجتماعية المعتادة. وتقوم في كثير من البلدان جهات حكومية او متخصصة بدراسة المؤشرات الاقتصادية وتكاليف المعيشة المحلية للوصول لما يعتبرا حدًا ادنى للمعيشة الكريمة وتعتبر مثل هذه الدراسات دليلا لصناع القرار في الجهات الحكومية او الخيرية لتحديد السياسات الاجتماعية على أساسها. وحسب بحثي المحدود جدا وجدت اقرب دراسة تحاول تحديد حد الفقر في مناطق المملكة العربية السعودية المختلفة هي الدراسة الصادرة عن مؤسسة الملك خالد الخيرية بعنوان «تحديد خط الفقر وحد الكفاية» لعام 2016 ولم اعثر على تحديث لها قريب من يومنا هذا فارقامها ومؤشراتها لم تعد صالحة اليوم. وربما كان الباحث الاجتماعي من احوج الناس لمعرفة هذه المؤشرات والمحددات لتسهيل عمله في تقدير استحقاق الأسر الفقيرة من المساعدات على ضوء المعلومات التي يجمعها.

ويمكن تصنيف المستفيدين من الجهات الخيرية لفئتين:

فئة ذات عوز طاريء أحوجتها ظروف مؤقتة الى طلب المساعدة «طرد من وظيفة او تعرض لحادث او مرض او دين او ما شابه» ومساعدة هذه الفئة مساعدة غير متكررة مع الأمل في عودتها الى حالة الكفاية بعد هذه المساعدة

وفئة في حاجة مستمرة لظروفها الصحية او الاجتماعية كالمطلقات والأرامل والأيتام والعجزة وامثالهم. وكثير من هذه الأسر تتوارث الفقر وتبقى في طاحونته ولا تستطيع ان تخرج من دوامته ولذلك فهي تعيش على المساعدات الدائمة ولا تفكر في الخروج من واقعها هذا وتتأثر أنماط تفكيرها وسلوكها الاستهلاكي والاجتماعي بمستواها المعيشي فتظل في عوز دائم او ما يطلق عليه بعض الباحثين مصيدة الفقر «Poverty Trap»

وحديثنا هنا عن الحاجة الى معالجة غير مادية للفقر تدور حول هذه الفئة بالذات. اذ ان المجتمع والجهات الخيرية خاصة حينما تقوم بدعمها ماديا فهي تؤدي نصف الوظيفة ويبقى النصف الاخر والأهم في الدعم المعنوي عن طريق مساعدة هذه الأسر لتقف على بداية طريق جديد يخرجها من هذه الحاجة المستمرة وقديمًا قيل لا تعط الفقير سمكة ولكن أعطه سنارة ليصطاد بها. ان العطاء المادي عطاء غير مستدام ولكن التنمية البشرية لهذه الفئة هو سبيل الاستدامة. واذا كان العطاء المادي أسهل فإن التنمية المعنوية اصعب وتحتاج لجهد وصبر كبيرين. وهنا ادعو الجهات الخيرية ووزارة العمل والتنمية الاجتماعية الى تبني برامج توعوية تنتشل كثيرا من الأسر المستفيدة من حضيض الفقر والحاجة الى الاعتماد الذاتي ولقد لحظت جهدًا مشكورًا من الضمان الاجتماعي في الآونة الاخيرة باتجاه هذه الفئة ومساعدتها في الشكل الأوضح من هذا النوع من المساعدة وهو البحث عن فرص وظيفية لأفرادها. ولكن تبقى هذه المعالجة ناقصة اذا لم نستكمل جوانبها الاخرى وسأشير الى بعضها على أمل ان نجد قريبا برامج تتناولها:

اولا: تحفيز المحتاجين نحو غد أفضل ورفع معنوياتهم اذ ان الأمل هو الدافع وراء كل النشاط الإنساني وهذه الفئة تحتاج الى جرعة كبيرة منه لمساعدتها للنهوض

ثانيا: توجيههم ومساعدتهم في البحث عن فرص عمل او بناء مهارات ذاتية وكما اشرت فان هذا الجانب موجود بدرجات متفاوتة واشكال متعددة في بعض الجهات الخيرية ولكن نحتاج الى المزيد

ثالثا: تطوير مهارات التدبير والاقتصاد وتنبيههم من سلوكيات الاستهلاك الضارة. ان افة الاستهلاك تضر بالغني وبالفقير ولكنها بالفقير اكثر ضررا. نحتاج ان نساعدهم لتحسين نمط استهلاكهم وهي معالجة نفسية وتوعية اقتصادية

رابعًا: تعريفهم بحقوقهم كشريحة اجتماعية ومساعدتهم في التسجيل والحصول على فوائد من البرامج الحكومية المختلفة. ان السعي للقضاء على الفقر هو احد الأهداف الاستراتيجية لرؤية المملكة 2030 وهناك العديد من المبادرات التي لا تعرف كيف تستفيد منها

خامسا؛ تطوير فهمهم للحياة وتعزيز روح القناعة في نفوسهم. هذا جانب نفسي ديني يحتاجه الجميع وهذه الفئة بالذات. بعض حالات الفقر سببها حب الظهور بمظهر الغني في كل شيء حتى في الكماليات

سادسا: حث الأسر في مجتمعنا على تفقد بعضها بعضًا. كثير من الأسر تقوم على رعاية فقرائها وسد حاجتهم قبل ان يمد يده للأباعد. ما نلاحظه ان كثيرا من الأسر الفقيرة تضعف فيها العلاقات الى درجة مؤسفة بحيث يتخلى الاخ عن أخيه والولد عن ابيه وهذا جانب يحتاج من الفعاليات الدينية والاجتماعية التنبيه عليه

لن نستطيع القضاء على الفقر بشكل كامل ولكن نستطيع ان نقلل من اثاره وضحاياه. هي مهمة الجميع والجميع كل من موقعه يستطيع ان يضيء جانبًا مظلمًا حسب امكاناته ماديًا ومعنويًا