هياط المسرفين
جميعنا نسعى لأن نكون أكفاءً، ونطمح إلى الوصول إلى أعلى قمم النجاح، وأن يعلو صيتنا أرجاء الدنيا. هذا بالطبع لا يتأتى جراء تباهينا بالممتلكات على تنوعها. للأسف نحن نعيش في مجتمع يتفاخر بتراكم الأشياء لديه، من منازل وسيارات وملابس وأثاث وإكسسوارات من ذهب أو ألماس. من المعيب أن نرى مجتمعنا اليوم وقد أدمن استهلاك ما تنتجه ماكينات المصنعين من مستلزمات، لمُجرّد الفخفخة والرغبة في الإقتناء لا الحاجة الماسة والمُلحّة.
يا ويلتنا ويا خراب بيوتنا، صرنا نبحث عن كل شيء، إلا المعنى الحقيقي للسعادة التي عجزنا أن نجدها في الخزائن التي تَعُج بُمختلف المُقتنيات. لو أننا فقط أعطينا أنفسنا الفرصة، للتعرف على ماهية البساطة وما تُخفيه من كنوز، لعرفنا حينها أن التَخَلُص مما لا نحتاجه، ربما وفّر لنا فُرصَة التركيز على ما كنا نحتاجه في واقع الأمر.
عندما نصل إلى المرحلة التي نكتشف فيها أن جميع الجُهُود التي بذلناها، لم تُوصلنا إلى مُستوى الرضا عن أنفسنا، وأنه لا بُد من قلب الطاولة على سقطات الماضي، هذا إذا ما أردنا، بصدق نية، الحصول على المزيد من مُقَوّمَات الحياة المُتوازنة. تنظيم أنفسنا وتبسيط نمط العيش، قد يكون السبيل الأوحد للخُروج من مُنزلقات هذا النفق المُظْلم، الذي وَجدنا فيه أنفسنا ضائعين بملئ إرَادتنا، فلم نَجْني من وراء ذلك سُوى مزيد من الخيبة والتأزّمْ والإشكالات التي لا طائل منها ولا خَيْرْ.
كوننا نعيش عَصْرَ الإنتشار الواسع للتطوُر التكنُولوجي وما يُرَافقه من طَرْح للإنترنت السَريع، لم يعد الحد من الاستهلاك اللامَعقول لكل ما هو مادّي أمرٌ مُمْكن، وإن كانت الحاجة إلى هذا الطَرْح هي أسْبقية يَصعب التَغَافُل عنها. قِسْمٌ من الناس اليوم يقضُون مُعظم أوقاتهم، متسمّرين أمام شاشة التلفاز، يتنقلُون بين مَحطاتٍ مدفوعَة الثمن مُسْبقًا، بحثا عما يُمكن أن يُخفّف عنهم شطرًا من مُؤرّقات الحياة. أما القسم الآخر، فإنهم لسُوء المُنقلب، غارقون في أجهزتهم المَحمُولة يتحَرّون كل ما هو جديد في عالم المُوضة والترفيه. السؤال أين موقع السعادة من كل هذا الشغف المَحْمُوم بتملّك كل ما يُطرح في الأسواق، ولو لم تكن له خانة في حساب الحكمة والتعقل..!
الحديث عن البذخ حديثٌ ذو شجون ولا يمكن تغطيته في مقالة واحدة. ونحن نعيش ضمن مجتمع استهلاكي، بات التطرق بإسهاب إلى فكرة تقليص حجم النفقات أمرًا مُلحّا، ولو تطلب من الفرد ذاته ترتيبات حاسمة وحرجة في زمن تُحْسَب فيه الخطوات بدقة متناهية.
إذا كنت قد تعودت العيش في منزل كبير، فإنه ليس من السهولة بمكان الإنتقال للعيش في شقة متواضعة. وإذا كانت سيارتك الأولى التي اقتنيتها هي من نوع مرسيدس، فلا تعتقد أن استبدالها بسيارة كورولا وقيادتها لفترة زمنية طويلة هو أمرٌ يمكن التعايش معه والتأقلم عليه دون تبرّم أو ضَجَر.
من الطبيعي أن نرى الأشخاص ذوي الاهتمامات والأفكار والخصائص المتشابهة، يتجمعون مع بعضهم البعض ويميلون إلى التماسُك والترابط. هذا يجعل التخلي عن بعض العادات السيئة، أمرًا في غاية الصعوبة، وقد يتطلب اتخاذ قرارات حاسمة وباهظة الثمن. الكثير من أفراد المجتمع اليوم يعيشون ضائقةً مالية وتحت ضغوطات الديون البنكية، بسبب نمط الحياة التي يعيشونها والتي هي أعلى بكثير من قُدراتهم المادية. التَمَسُك بمثل هذه العلاقات يَضعُ ثقلًا كبيرًا على عاتق هؤلاء الأفراد، مما يعيق مسار حياتهم بشكل طبيعي وتلقائي.
لا غرابة أن يعيش المتشبثين بالممتلكات المادية في حالة من التوتر الدائم والمُلازم لهم في الكثير من الأوقات، وذلك خشية فُقدانهم لهذه الأشياء لأي سبب عابر قد يطرأ على حياتهم. من حُسْن الطالع أنه كُلما حاول الفرد منّا تقليل تمسّكه بمقتنياته والعمل على الحد منها، كلما اتجه إلى تبسيط حياته والتخفيف من الضغوطات الملازمة له.
يا ترى أين أنت من مظاهر البذخ والترف والتباهي بالممتلكات، هل دخلت فيها، أو أنك تمكنت من مُجاهدة نفسك ودعوتها للثبات على مبدأ القناعة والزهد لترنو إلى الإقتصاد، بعيدًا عن «هياط» المسرفين..! دمتم سالمين