الجيل الفاسد
ثمة ادعاء ينطق به كثيرون يصف جيل الشباب الحالي بالجيل الفاسد، هكذا يرد هذا التعبير غالبًا في وصف انتماء أي شاب يصدر منه سلوك هو بتقدير هؤلاء سلوك غير مسؤول، وبذلك فإنَّه لا مناص من التباكي على الأجيال السابقة التي كانت برأي هذه الشريحة الناقدة هي أجيال متخلقة بنسبة عالية من الأخلاق الفاضلة والسلوكيات المسؤولة، بطبيعة الحال لا يمكن هنا الادعاء بأنَّ هكذا رأي مخالف تمامًا للواقع، غير أنَّ الكثير من نقاط الضعف تبدو لي واضحة في هذا الحكم.
كما أعتقد أنَّ النتيجة الفاسدة تتبع في أكثر الأحيان المقدمات الخاطئة، وعليه فإنَّ فساد الجيل المُدعى يعبر كما أظن عن فساد الجيل المربي، فالأولاد حينما لا يتوفر لهم مستوى التربية المقبول، فإنَّهم في الغالب يميلون إلى التأثر بالسلبيات الكثيرة المنتشرة هنا وهناك، وبالنتيجة ينحدرون يومًا بعد آخر في مسالك الفساد، وهذا تمامًا ما يجعل من ينتقد الجيل الحالي بصفته جيلًا فاسدًا هو تمامًا المنتمي لجيل يصح وصفه بهذا الوصف.
هناك جملة من الجهات التربوية التي أصبحت تشارك الأُسر تربية أبنائها، فالإعلام بقنواته المختلفة من تلفزيون وإذاعة وقنوات تواصل اجتماعي كلها تسهم بشكل فاعل في بناء إنسان هذا العصر، كما أنَّ المعلم والواعظ والبيئة مجتمعة يسهمون هم كذلك في هذا الدور، وعليه فحينما لا يملك الوالدان من الاطلاع ما يمكنهما من فهم ما يُطرح من هنا وهناك من آراء وأفكار فإنهما في الغالب لا يستطيعان إشباع فضول الأبناء في المعرفة والاستكشاف، كما لا يستطيعان مقاومة تيار الشبه والأفكار الدخيلة بمنطق الدليل والبرهان.
بل لا أبالغ حينما أقول إنَّ شعور الأبناء بعدم منطقية الردود على تساؤلاتهم هو أكثر ما يدفعهم للاعتقاد بأنهم يسيرون في الطريق الصحيح، هكذا إذن تبدو جملة «خلف كل ملحد شيخ» جملة صحيحة بنسبة ما، فالمربي أيًا كان حينما لا يملك من الطرح المنطقي ما يقنع شخصًا بفساد فكرة ما، فإنه من حيث لا يشعر يمارس التسويق لهذه الفكرة، هنا يبدو الطريق الأكثر منطقية في ترسيخ الأخلاق الفاضلة هو بناء هذه المنظومة الأخلاقية على أساس الدليل والبرهان وليس على أساس «اسمع كلام أبوك يا ولد».
في اعتقادي أنَّ وصف الجيل الحالي بالجيل الفاسد هو تهكم في غير محله، فالجيل الحالي إن صح أنه كذلك فلأنَّه لم يلق في الغالب تربيةً قادرة على جعله أفضل مما هو عليه، وبالنتيجة فإنَّ الجيل الفاسد هو الجيل المربي لهذا الجيل وليس هذا الجيل، وبغض النظر عن كل ذلك فإنَّنا نحتاج أكثر ما نحتاج إلى مشروع صناعة الأخلاق والقناعات على أساس الدليل والبرهان وليس على أساس الفرض، وحينما لا يكون ذلك فإننا بالتأكيد سنسهم شئنا أو أبينا في خلق الجيل الفاسد.