مفاهيم حياتية 5
من بديهيات مفاهيم الحياة، اعترافك المبدئي بوجود خلل ما في حياتك يحتاج إلى إصلاح، وذلك قبل شروعك في وضع خُططك لمُواجهة الموقف والقيام بأعمال الصيانة والترميم، وإعادة الأمور إلى وضعها الطبيعي والصحيح. أنت لا يمكنك التظاهر بأنك حاملًا كامل المسؤولية عن حياتك، في الوقت الذي تتصرف وكأن كل شئ على ما يُرام، خاصةً عندما لا يكون الأمر كذلك. أنت في هذه الحالة تكذبُ على نفسك وتأخذها إلى المجهول.
الكثير من الناس يُفَضلون السُقوط في الهاوية، مُتَمَسكين بما لديهم من مُبرّرَات خاصّة، على أن يُغيّروا من أنفسهم قَيْدَ أنملة، وهذا أمرٌ مفهوم. هل يمكنك في هذه الأيام إيجاد ذلك الشخص الصريح الشفاف، الذي يكشف عن ذاته لذاته، بوضوح ودون أن يرتبك أو تهتزّ فرائصه؟ في المنظور العام، قد يصل هذا الأمر إلى مُستوى التابو، فلا أحد يتقبّل من أي أحد كان من كان، أن يُبَين لهذا الشخص أو ذاك حقيقة شخصيته، ولو كانت الحاجة تتطلبُ ذلك!
ليست البُطولة في أن تحشد طاقاتك ومَهَاراتك وإمكانياتك، لتوصل رسالتك التوجيهية إلى قريب لك أو بَعيد، أو إلى جمع من المستمعين لك، سواءً كانوا موظفين يعملون تحت أمرتك، أو شِلّة من المحسوبين عليك، جمعتهم في مَجلسك. البطولة الحقيقية هي أن لا تقف عاجزًا أمام ذاتك، لتقول لها بالفم الملآن، كفاكِ يا نفس هذا التخبط وهذا المسار الذي ليس له مَوقع من الإعراب.
نعم، الشجاعة هي موقف، فهل يا تُرى لديك الجرأة أن تقف كالصنْديد أمام هذه النفس المتجبّرة، وتصرخ فيها بأعلى صوتك ”يا نفس، افهميني جيدًا، فأنا من هذه اللحظة لن أكون لك ذلك العبد المطيع، الذي يُلبي رغباتك، وينصت لأوامرك. وإن جاز لك، فإني خصمك اللدود، الذي سيتصدى لكِ ويضعُ حدًا لتجاوزَاتك، حتى ترجعي إلى رُشدك، وتتخلي عن جَبَرُوتك“
كلامٌ غريب وقوي، أليس كذلك؟ يا صديقي، لا ينفعك اللين ولا المُحاباة مع هكذا نفس، إذا ما كنت جادًا في مسعاك للتغيير. نحن جميعًا بحاجة إلى أن نَتَسَلّح بالجديّة والحزم في هكذا مواقف وإلا خسرنا أنفسنا. حتى نتمكن من تغيير ذواتنا وأخذها إلى المكانة التي يرتضيها لها خالقها، لا يُمكننا إلا أن نكون صادقين. لكن كيف لهذا الصدق أن يتحقق ونحن نعيش حالة من اللامُبالاة والتنكُر لأنفسنا. هل هناك اليوم من يمتلك الشجاعة في أن ينفرد بذاته ليقول لها كلمة حق تُخْرجُه مما هو فيه من تِيْهٍ وَضَيَاع..!
كلام كهذا، من المؤكد، أن لا يروق للكثير منا، لأننا لم نتعود على توجيه سَبّابتنا لأنفسنا، بعد أن أدْمَنا النظر إلى عُيُوب الآخَرين. من الصعوبة بمكان أن تجد أفرادًا يَقضُون ولو جزءا بسيطا من يومهم مُحاسبين ومُهَذبين لأنفسهم. طاقاتنا التحفيزية التي تدفعنا للتغيير لا تأتي من فراغ، بل تحتاج إلى الكثير من الصراحة والتضحية والوقت والجهد المتواصل. اغتنام الفرص واللحظات في تطوير الذات، هي مَرْبَط الفَرَسْ وحَجَر الأساس في تكوين سُلوكٍ يضمن لنا عيشًا كريمًا في هذه الحياة، ورضًا مُؤمّلًا من المولى، يوم لا ينفعُ مَالٌ ولا بنون.
القرار الفَيْصَل بيدك أنت في أن تكون شيئًا، أو أن تنكسر أمام رغباتك الذاتية..! لاشك أن الأمر في غاية من الصُعوبة، خاصةً عندما تجد نفسك مُحَاطًا بأشكال مُختلفة من الضغوطات والمغريات الحياتية التي لا يمكنك تفاديها أو غض الطرف عنها دون مُجاهدة للنفس. في هذه الأوقات، تجد نفسك في غمرة من الحيرة، إما أن تبقى مُرتابًا، تَحِفُ بك الشكوك والتكهنات، أو أن تكون صادقًا مع نفسك، متيقنًا أن لكل شخص قدراته وميزاته التي تجعله فريدًا من نوعه. المشكلة هي كونك تعلم أنك جزءٌ من هذه المُعَادلة دون أن تقوم بأي إجراءٍ أو فعلٍ يُذكَرْ!
ما أن تخترق تلك الحواجز النارية وتكسر ذلك الجُمُود، حتى ترى بأم عينك أنك بدأت تتحرك قُدُمًا بكل عزيمة واقتدار، وأنك قد ركبت قطار التغيير بكامل وَعْيك وإرادتك. أنت لا يُمكنك اكتشاف جوهر شخصيتك، حتى تتغلب على مخاوفك، وتصنع لنفسك تلك المكانة التي تليق بك. في لعبة الحياة، ليس هناك ما يُمْكن أن نُسَميه خسارة بحتة، ما دُمْت تتعلم الدروس وتكتسب الحكمة..!