آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 3:07 م

المعالجة القانونية لمحاربة الفساد

كامل أحمد الشماسي *

ترتدي ظاهرة الفساد ومحاربته أهمية استثنائية في السنوات الأخيرة وتكاد تشمل معظم بلدان العالم وفي جميع القارات.

وفي متابعتي المتواضعة لمجريات الأحداث في كل من العراق ولبنان نجد أن الفساد هو المحرك الأساسي لها وقد ارتدت هذه الظاهرة خطورة بالغة الاهمية وضعت كلا البلدين على حافة الهاوية وهيأت الظروف لعملية إنهيار كامل في حال عدم التمكن من معالجة الفساد وانهاء آثاره المدمرة على أوضاع البلدين الشقيقين.

في معنى الفساد

الفساد هو عكس النزاهة وفي معناه المباشر بمحتواه الملازم للدولة كنظام سياسي فوقي في المجتمع هو الالتفاف على القوانين والأنظمة السائدة وتجاوزها لتحقيق مرام سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية ضيقة ومخالفة المصالح العليا للبلاد واستغلال النفوذ والثغرات في سبيل ذلك.

وفي هذا السياق يصبح الفساد ومستوى استشراءه معياراً لقياس درجة تطور البلدان ويؤثر تأثيراً مخيفاً على استفرارها وتلاحم وحدتها الوطنية ورقيها وضمان أمنها الداخلي وثبات مكاسبها ونجاحها المجتمعية. ومع استشراء الفساد في النظام السياسي تصبح القوانين والأنظمة عديمة الجدوى ودون قوة فاعلة أو تأثير مهما كانت هذه القوانين والأنظمة على مستوى التقدمية والعدالة في صياغتها القانونية وفي معالجتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للبلد. فالفساد يفرغ تلك القوانبن من أي محتوى أو تأثير.

الفساد، كما أثبتته مسيرة الشعوب والبلدان، وعلى مستوى التأريخ الإنساني الطويل، أنه أداة تدمير لا ترحم للسلوك العام للدولة وللقيم والمبادئ وزعزعة للموروث الحضاري ونسف لكل ما هو جميل وعادل للإنسان وثقافته واستقراره وبمعنى مباشر فإن الفساد واستشراؤه كفيل بتخطي القوانين والدساتير والأنظمة التي كافحت الشعوب عبر تضحياتها ومسيرتها لجعلها ناموس حياة للملايين من البشر وأن تدفع بالمجتمعات نحو التخلف الاقتصادي والاجتماعي والإفقار الروحي والتناحر والانزلاق نحو المجهول.

الفساد وهيبة الدولة

الفساد على مستوى البناء الفوقي للدولة والتلاعب بمقدرات البلد والضرب بالقوانين والأنظمة عرض الحائط عبر انتهاك القوانين السائدة لخدمة أطماع فئآت ضيقة من الناس والتقليل من احترام القانون وسننه وأنظمته التي هي حاصل تراكمات تاريخية لتطور المجتمع وترك البلد يسير حسب أهواء تلك الفئات والتلاعب بالقوانين والضوابط التشريعية،. كل ذلك يسهم دون شك في نشر واشاعة الرشوة والمحسوبية والتقليل من هيبة الدولة ونظامها السياسي عدا عن فشل الدولة في تنفيذ خططها ومشاريعها التنموية الاقتصادية والاجتماعية والارتفاء بالإنسان وقيمه ووضع البلد على سكة التخلف والانحطاط التطوري ويصبح معها لقمة سائغة لفرض الهيمنة عليه من قبل الدول الكبرى والنيل من استقلاله وتقرير مصيره.

محاربة الفساد

بما أن ظاهرة الفساد صفة ملازمة للدولة ونظامها السياسي فقد كان لزاماً على الطبقة الحاكمة اتخاذ سلسلة من الاجراءات للحد من انتشاره وتفشيه وهنا لا مكان للنوايا الطيبة ذات الطابع الفردي التي ممكن أن تتخذ لمحاربة الآفات الضارة والقاتلة لهذه الظاهرة والتي تحتاج إلى عملية مؤسساتية تستنفر المجتمع بكامل امكانياته وقواه لمجابهة ومحاربة ظاهرة القساد وضمان سلامة المجتمع منها بشكل دائم ومستمر.

بعض الإتجاهات الرئيسية للحد من الفساد واستشراؤه

• انطلاقاً من كون الفساد وتفشيه يتم عبر انتهاك القوانين السائدة وسرقة المال العام فهو بذلك يمثل جريمة جنائية وأخلاقية لا بد معها من بناء وتأسيس نظام قضائي مستقل تماماً عن بقية سلطات الدولة التشريعية والتنفيذية، نظام يتسم بالنزاهة والعلم والحداثة ومواكبة الخبرات الانسانية المتراكمة على صعيد الجريمة والعقاب، نظام قضائي نافذ لا يميز بين المواطن والمسئول بعيد كل البعد عن العصبيات المذهبية والعرقية والمناطقية والقبلية. ولكي تزيد من نزاهة القاضي لابد من خضوعه لمجلس قضاء أعلى مهمته متابعة نشاط القاضي واحترامه للعمل الاحترافي وتجنب كل ما يسئ لعمل القاضي وموضوعيته وعدله ونزاهته أثناء قيامه بعمله في صيانة القانون وسيادته في المجتمع حتى لو تطلب محاسبته على أخطاءه ومعاقبته وعزله فيما إذا تطلبه الأمر.

• سن القوانين والأنظمة الصريحة المحاربة للفساد بشتى أشكاله وعلى مختلف مستوياته وتحديث هذه الفوانين لتكون مواكبة لكل ما هو جديد على الصعيد الوطني الداخلي والأقليمي والدولي انطلاقاً من عالمية طابع ظاهرة الفساد وخطورتها على مسيرة البلدان وتطورها الانساني.

• السماح للإعلام ليمارس دوره الإيجابي في رقابة ومحاسبة الفاسدين ليتحول الإعلام إلى سلطة رابعة حقيقية لإكمال دائرة تطويق ومحاربة الفساد بعد القضاء ومنح جهاز الإعلام والعاملين فيه الحصانة والحماية الأمنية وحرية الحركة دون خوف من انتقام المتضررين من الفاسدين وبطانتهم وكل المحسوبين عليهم.

ماجستير في الحقوق - القطيف