الأمان الأخلاقي.. حاجة أم ترف؟
أشرت في موضوعي السابق «الحرية المطلقة.. نعمة أم منزلق؟»، إلى رأيين متباينين حول نموذج الحرية الأجدى في بناء مجتمع أخلاقي ومتزن، الرأي الأول يعتقد أنَّ الحرية المطلقة لها نعم كثيرة أيسرها أن يكون الناس تلقائيين في حياتهم، غير متلونين بالأطياف الجبرية التي تُفرض عليهم من هنا وهناك تحت وطأة العادات والتقاليد من جهة، أو النظم السائدة من جهة أخرى، وبالنتيجة فإنَّ أحدًا حينما يلتزم بسلوك أو بمبدأ معين فلأنه يرى فيه الصواب والمنطق، بعكس الرأي الآخر الذي يرى تقييد الحرية، والذي يخلق لنا بحسب رأي الفريق الأول مجتمعًا ازدواجيًا يمارس كل ما تم منعه منه بالخفاء وخلف الأستار فيما يَظهر دائمًا برداء الفضيلة ويدعي الدفاع عنها.
ثمة جانب معين من المهم جدًا الإشارة إليه في الحديث عن الحرية المطلقة وهو الجانب المتعلق ب «الإنسان» من حيث كونه مخلوقًا يتكون من نزعات غرائزية ذات قوى دافعة لجلب المنفعة واللذة إلى نفسه، هذا الجانب أرى أنَّ دعاة الحرية المطلقة أغفلوه في حساباتهم أو لم ينظروا إليه بمستوى الأهمية الذي يتناسب مع قيمته، أقصد بالنزعات الغرائزية أنَّ هناك جانبًا في الإنسان يتأثر في الغالب ببعض الأمور تأثرًا لا إراديًا، حينها لا يمكن حين توفيرها له أن يُقال له: كُنْ كما تريد، لأنه ببساطة لا يستطيع أن يكون كذلك، البنزين حينما يقترب من النار سيحترق، النوايا لا تغير من هذه الحقيقة شيء، العجلة حينما تكون في مكان مرتفع دون مكابح فستتهاوى إلى الأسفل بغض النظر عن نوايا من وفر لها هذا الجو، إذن فالحرية المطلقة وإن كانت في صورتها المعلنة تمنح الإنسان حرية الاختيار، إلاَّ أنها بالمعنى الحقيقي والمنطقي نوع من الدكتاتورية، لأنها تفرض عليه أمورًا لا يستطيع في الغالب أن يحيد عنها أو يقاومها.
في تصوري أنَّ المجتمعات الإنسانية قاطبة تحتاج أيما حاجة إلى الأمان الأخلاقي، الحرية المطلقة هي كما أعتقد العنوان المضاد تمامًا لهذا المصطلح، فهي التي توفر أجواء محفزة للرذائل ولا يمكن بحال من الأحوال أن نطالب المجتمع بموازاتها التخلق بالفضيلة، إذن فتقييد الحرية الذي يقود لمجتمع أخلاقي وقيمي هو حاجة ملحة لا بد من تحقيقها، وحينما لا يكون ذلك فإنَّ العواقب الوخيمة ستقود المجتمع حتمًا إلى كل فساد.