من أنا؟.. سؤال الهوية والموقعية
هل سألت نفسك: من أنا؟ لو فعلت فأنت باحث عن ذاتك، ولو نطقت بالإجابة عن قناعة فلقد وجدت وجهتك، فهل تثبت أم تتغير؟ إنه سؤال الهوية الذاتية وعليه تبعات قد تكون مصيرية في الحياة، فهل حددنا مواقعنا على خريطة البشرية أم مازلنا ننتظر سفينة البحر تأخذنا إلى أي مرسى شاغر؟.
إن الحديث عن الهوية الذاتية شيّق وإبداعي وجاد في الوقت نفسه نظرًا لصعوبة حسمه، ولكنه طرحٌ ضروري للإنسان لا سيما في مرحلة شبابه التي تعتبر الفترة الأكثر تراميًا وتذبذبًا بصرف النظر عن نوع الظروف المحيطة به؛ ساكنة روتينية أو صاخبة مُتغيرة، لماذا؟
الذات أولًا، ليس بالضرورة أن يعكس الهيكل الخارجي للإنسان جوهره الداخلي، فقد يكون هيكل مهندس سرقت منه الأيام ملمحه الفكري الحصيف وغيبته خلف المخططات الهندسية بدلًا من الفكرية الإنسانية، وقد يكون مظهر شابة بسيطة، كبح الظلم الاجتماعي إبداعها المتفجر فانكسفت شمسها، وقد يكون هيكلًا هلاميًا يأخذ شكلًا مختلفًا كل يوم، تشكله الرياح وتجلوه مياه الشواطئ، فمرة يرتفع مع حلاوة النهر وأخرى يصطبغ بملوحة البحر، فإلى متى سيبقى متموجًا؟.
قد لا تدعم كثير من البيئات الاجتماعية الإنسان من أجل تحديد وجهته الذاتية، بل الأغلب هو انحيازها لمطالبها ورغباتها ولهذا يتذبذب الفرد بين هويته الذاتية والهويات العابرة عليه بما فيها هوية المجتمع المحددة لحدوده في كثير من الحالات، وترتفع نسبة التضعضع الهوياتي الذاتي كلما ارتفع منسوب صراع الهويات حوله وتداخلها تداخلًا مُعقدًا في ظل عدم وضوح الهدف من الحياة! فما النتيجة؟.
التماثل إحدى النتائج التي نشهدها كحصيلة عامة لهذا الكم الهائل من البشر الذين تقاذفتهم مباراة الهويات وتلاعبت بهم، فوحدتهم في نسخ متماثلة إلى حد مُثير للقلق والشفقة وأحيانًا الاستفزاز، فاللعبة الهوياتية لم تعد مُقلقة للأطفال والمراهقين فحسب، بل تتعدى لتصل الشباب والأكبر سنًا في حالات معينة، فما الذي يحدث؟.
إن الاعتراف بشدة الصراع الهوياتي الهائل، الذي يتجاذب الإنسان مرةً بشكل غوغائي وأخرى مدروس، يجب ألا يقودنا للاستسلام بل لفهم الواقع من حولنا، وإعادة السؤال مرة أخرى، من أنا؟.