آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 3:01 م

نحو رؤية جديدة لأخلاق فاضلة

سراج علي أبو السعود * صحيفة الرأي السعودي

شكل الابتعاث الخارجي والإعلام المفتوح عمومًا نواة لمجتمع سعودي مختلف عما اعتاد عليه من قبل، فمنظومة الأخلاق والأعراف بدأت بالتغير في ظل ما يصح وصفه بتمرد شريحة من شرائح المجتمع عليها أو لعله عدم قناعة بما ورثه هؤلاء من مُثُل وأخلاق من أسلافهم.

لست هنا في معرض رمي هؤلاء بتغريب المجتمع أو إلغاء هويته، ولكن وبعيدًا عن اللغة الوعظية أعتقد أنَّ سؤالًا مهمًا ينبغي أن يُثار في هذا السياق وهو: ما معايير الأخلاق الفاضلة وكيف لنا إعادة بناء الإنسان أخلاقيًا بشكل يجعله أكثر اعتقادًا بمنطقية هذه الأخلاق واعتزازًا وتمسكًا بها؟.

من المعروف أنَّ شخصية الإنسان تتشكل في سنوات طفولته الأولى لتكبر معه الصفات والعادات التي نشأ عليها، هكذا غالبًا تعكس سلوكيات الإنسان الخارجية درجة الجودة التربوية التي تلقاها في المنزل، ولأنَّ الانفتاح العالمي أسهم في تقارب البشر من بعضهم وتداخل الثقافات، فإنَّ الأُسرة لوحدها لا تستطيع غالبًا مجابهة تلك الأدوات الفاعلة، من هنا فإنَّني أعتقد أنَّ وجود منهج دراسي بعنوان «علم الأخلاق» يقوم على تدريس النشء الأخلاق الفاضلة ومعانيها وأمثلتها ومبرراتها المنطقية، يمكن له أن يُسهم مع الأسرة في بناء جيل مسلح بالقيم والأخلاق وأكثر قدرة على الدفاع عن منطقيتها.

في تصوري أنَّ خطة كهذه إن تحققت فسيلمس المجتمع خلال السنوات القادمة جيلًا أخلاقيًا يعرف كيف يخاطب الكبير، كيف ينتظم في طابور المنتظرين، كيف ينبغي له أن يقدم المعاق والمرأة الحامل، كيف يتعامل مع قنوات التواصل الاجتماعي وكيف يتفق ويختلف مع من يحاوره، كيف يشجع ناديه الرياضي بدون تعصب، كل تلك الأمثلة ومئات الأمثلة الأخرى ينبغي أن يتعلم النشء كيف له التعامل معها، حينها يمكن للجيل أن يمتلك مقومات مهمة لتشكيل مجتمع أكثر وعيًا ونقاءً.

كل مجتمع في الغالب لديه قيم وأخلاق إيجابية، كما ولديه وبنسبة أقل سلوكيات وأخلاق سلبية، حينما يفتقد الإنسان لمعايير الأخلاق السليمة فإنَّ قناعاته قد تتغير بحيث يكتسب ما هو مشين ورديء من تلك المجتمعات، ظنًا منه أنها أخلاق فاضلة وحسنة، ليأتي بها إلى مجتمعنا وينافح ويكافح في سبيل زرعها في المجتمع.

وجود جهة تعليمية تقوم على إعادة تعليم مجمل الأخلاق الفاضلة وبشكل فلسفي ومنطقي رصين، يمكن له أن يعزز شخصية الجيل ويجعله أكثر تمسكًا بأخلاقه الفاضلة، مهما ابتعد عن وطنه، ومهما واجه من تحديات إعلامية متقنة، في تصوري إن تحقق ذك فإنَّ جيلًا قادمًا سيكون أكثر حصانة، وأكثر ثباتًا وتمسكًا بمبادئه.