الصباح في منزل «ثريا العريض»
لقد آمنت بالصدفة، التي هي في قناعتي ليست صدفة، بعد سقوط بعض خُططي التي أعتبرها مهمة وارتفاع خُطط السماء التي فاجأتني بجمالها، آمنت بأن الأشياء التي لي سألتقي بها والتي ليست كذلك لن أطالها لو بذلت كل ما عندي! بهذه الروح صادفتني دعوة صباحية من سيدة مرموقة لم أملك سوى تلبيتها.
ثريا العريض، الكاتبة والشاعرة وعضو مجلس الشورى سابقًا، استقبلتني عند باب منزلها الهادئ والمُنشرح بنور الشمس صباح الجمعة 1 نوفمبر 2019، خطونا أربع خطوات إلى الداخل، قالت: لا أحد هنا، بإمكانك خلع العباءة، ففعلت، إفطارٌ لذيذ وخفيف كروح صانعيه ومُقدميه، وحديث عفوي امتد من طاولة الطعام إلى أريكة القهوة المُطلة على مسبح أزرق، أخذتُ مقعدي، مُكتفة ذراعيّ، مُستمتعة بمقتطفات من سيرة ذاتية لم تُكتب بعد، أثارها منظر ذراعيّ: إذا أنتِ تشعرين بالبرد، سأحضر شيئًا للتغطية. أجبتها: أبدًا، الطقس لطيف جدًا، شكرًا.
لقاء أقرب إلى الذات، فكما وعدتني ب «حوار حميم» يستحضر ذكريات من حياتها الاجتماعية وأدوارها السياسية الرائدة وقضايا المرأة، وبعيدًا عن هندمة الصيغ الرسمية والإعلامية، سألتها: هل فكرتِ في كتابة سيرتك الذاتية؟ ردت: لقد كتب الكثير عني.
أما عني شخصيًا، فأرى أن السيرة لمثل «ثريا» ومن هم على شاكلتها لابد أن تكون مشروعًا حاضرًا على أرفف المكتبات الوطنية والدولية، لماذا؟.
التجربة الإنسانية هي العمود الفقري لتسلسل البشرية عبر التاريخ، مرورًا بتحولات الثقافة والاجتماع والسياسة، فتبقى الحاجة إلى مستندٍ تجاربي مؤرخ، بإمكانه تبسيط معنى الحياة لبعض الشخصيات الصانعة لنفسها تاريخًا فريدًا قاربته على أصعدة متفاوتة كالأسرة والمجتمع، الفكر والثقافة، الإنسانية والسياسة، فمن هذه الزوايا ينتظر الباحث عن الإنسان التعرف على التجربة والاستفادة منها، ولا أرى مبررًا لتواضع البعض أو إعراضهم عن توثيق حياة مليئة بالأحداث والمتغيرات.
تبادلنا معاهدات الأدب الذي أنجزناه كما جرت عادة الكُتاب، ودعتها وغادرت، ومازالت صورة البهو الذي جلسنا فيه عالقة في ذهني، أظن أن هذه الجدران تحمل تجربة تستحق النحت.