آخر تحديث: 22 / 12 / 2024م - 9:12 ص

مفاهيم تعليمية

ياسين آل خليل

لنكن واقعيين مع أنفسنا، العديد من المهارات الحياتية التي اكتسبناها، كانت إما عن طريق التجربة والخطأ، أو جراء قيامنا بمُجازفات كلّفتنا الكثير من الخسائر والمعاناة. لا المناهج الدراسية ولا البيئة الحاضنة كان لها دور بنّاء في تعليمنا ولو الجزء اليسير من المهارات التي اكتشفنا في مرحلة ما من حياتنا، كم نحن في أشد الحاجة إليها. مدارسنا اليوم يقع على عاتقها العبء الأكبر من المسؤولية في نقل تلك المهارات إلى براعم اليوم، وهم رجالات المستقبل والثروة الحقيقية التي من شأنها النهوض ببلدنا إلى مصافي الدول المتقدمة.

طالب المدرسة اليوم عليه أن يتعلم الكتابة، لا كما اعتاد المعلم أن يُلقنها لطلابه قبل أربعين سنة مضت، لأن الطالب اليوم يعيش في زمان مختلف عن ذلك الزمان. الطالب اليوم يجب أن تكون لديه القدرة على بناء جملة أو أكثر، من شأنها أن تنقل ما يُراد لتلك الجملة أن تنقل من معنى دون زيادة أو نقصان؛ كما وأن يفهمها المتلقي أيضًا، كما أُريد لتلك الرسالة أن تُوْصِل من معنى إلى الطرف الآخر.

الطبيب والمهندس والمخطط المالي، لا يكفي أن يؤدي الواحد منهم عمله من خلال تعامله مع الحاسوب الذي يتوسط طاولة مكتبه. بات على هؤلاء جميعهم مغادرة مكاتبهم والتحدث للآخرين، لإيصال أفكارهم ووجهات نظرهم. تَعَلُم مهارات التواصل في وقت مبكر وفي المراحل الأولى الدراسية، يعزز من ترسيخها في عقول الناشئة ويُبْعد عنهم هاجس الخوف من المستقبل، وأن عملية التواصل مع الآخر ماهي إلا جزء لا يتجزأ من أداء كل مهنة وبغض النظر عن نوعيتها.

تعتمد معظم العمليات الحسابية التي تعلمناها في مدارسنا على المعادلات والنظريات، بعيدًا عن معرفة عناصر إدارة الأموال، أو كيفية إنشاء ميزانية بشكل صحيح، أو التنبؤ بمخاطر الديون قبل الوقوع في شباكها. على كثرة حصص الرياضيات ومبادئ المحاسبة التي تعلمناها، ومن ثم تعمقنا فيها، فهي لم تعلمنا شيئا عن كيفية استثمار أموالنا أو تنميتها، ولاهي أطلعتنا على طبيعة المخاطر التي يمكن أن نتعرض لها، أو الطرق والمهارات المؤدية للنمو وتحقيق الأرباح.

نعم حصة الرياضة كانت وما زالت من الحصص التي لا يمكن استبعادها من المناهج التعليمية، لكننا عندما نطالب أن يكون هناك تعليم يَعْنى بسلامة الجسم، فإننا لا نقصد ممارسة الألعاب وحدها، بعيدًا عن التثقيف المنهجي. العناية بالجسم تعني التأكد من صحته وخلوه من الآفات التي تفتك بالعقل والجسم معًا. قم بزيارة عشوائية لأي مدرسة لترى بعينك مدى انتشار نسبة السُمْنة بين الطلاب، فأين هي المادة التعليمية التي توصل المعلومة الصحيحة للطالب والتي تنشئه من الصغر على اتباع نظام غذائي صحي! نعم تعلمنا مقولة ”العقل السليم في الجسم السليم“، لكن، ماذا بعد؟ ً

عندما تركز مدارسنا في تعليمها على عنوان ضيق، هو التحصيل الدراسي للطلاب، وتغفل عن بعض المفاهيم التعليمية التي تُعتبر في هذا العصر من مقومات التعليم المثالي التي يجب أن يتسلح بها كل مُقبل على عمل، فإن التعليم بمفهومه الأكاديمي المنهجي يفقد بريقه ومعناه. قد تكون أفضل ميكانيكي أو كهربائي في دائرتك التي تعمل فيها، لكن في نفس الوقت، عندما تفتقر إلى أبسط مهارات التواصل مع الآخرين، كالتوَاصل اللفظي والمكتوب، فإن مهاراتك التقنية قد لا تساوي الكثير في نظر من يُقَومّون أدائك مدار العام.

المهارات الناعمة هي سمات شخصية تؤثر على مدى قدرة الفرد على العمل والتفاعل مع الآخرين. امتلاك الفرد للعديد من المهارات الناعمة تجعله متمكنا من تكوين علاقات مع الآخرين. حبذا لو توُضع هذه المهارات في عين الاعتبار وتُفَعّل ضمن مناهجنا التعليمية وفي وقت مبكر. تحول هذا الحلم إلى حقيقة، لا شك أنه سَيُوصل أبنائنا إلى مواقع متقدمة بالنسبة لأقرَانهم من زملاء عمل في الدائرة الواحدة.

المهارات، كونها أحد أهم الركائز التي يعتمد عليها العلم الحديث، فإنها تحدد نظرة الجميع من مسؤولين وأرباب عمل للمتدرب والتقني والطبيب والمعلم والمرشد والمهندس وحتى أستاذ الجامعة، لأنهم هم من يصنعون المستقبل.

في زمن يتسم بالتنافسية والإبداع والظهور أمام العالم بالندية والحرفية المتقنة في الخدمة والمُنْتَجْ، بات على كل فرد على اختلاف موقعه أن يرسم الصورة الواقعية التي تليق به، وترتقي بمكانته الشخصية والعملية، هذا اذا ما أيقن أنه لا يمكنه التواصل بإتقان مع الأفراد والمؤسسات إذا ما افتقر إلى بعض من أساسيات المفاهيم التعليمية الحديثة، والتي سلطت الضوء على جانب منها في هذه العجالة.