وقود الإصلاح الحسيني «32»
الشهيد مسلم بن كثير الأزدي
قال تعالى في سورة آل عمران: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ﴾ 207.
وفي سورة الحشر: ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِر، وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾ 23.
وقال الإمام الحسين : ﴿من كان باذلاً فينا مهجته، موطناً على لقاء الله نفسه، فليرحل معنا﴾. «01»
مازلنا مع أصحاب الامام الحسين الذين اختفت أكثر تفاصيل سيرتهم عن منابرنا الحسينية، والذين استشهدوا مضحيان بأنفسهم في سبيل معتقدهم، فقدموا أرواحهم فداء لإمامهم، رغم أن إمامهم مطلوب وحده، ولو ظفر به ما أبه بغيره. ونحن هنا نحاول تجميع سيرهم المتناثرة هنا وهناك، بين صفحات التاريخ، ولو إنها زهيدة لا تشفي عطش الباحث ولا نهم المحقق، وقد تكون كتبت بأيدي معادية لفكر الإمام الحسين . ولا يخفى أن شهدائنا هؤلاء كانوا نماذج بشرية، أصبحت شوكة في عيون الجائرين والمعتدين على حقوق المساكين، نماذج أوجدت نهجاً تحررّياً مشبعاً بروح التقوى والإخلاص، ظل على مدى التاريخ سبباً في سلب النوم من عيون الجبابرة والمتكبرين، يقض مضاجعهم على الدوام، وهذه النماذج قد أظهرت هوية إنسانية جديدة، قدمها الحسين درساً في الحريّة والمروءة حتّى لغير المسلمين. «01»
وبين أيدينا الجوهرة الثانية والثلاثين من هذه السلسلة المباركة، وقد التحق بركب شهداء الإصلاح الحسيني، وكان ضمن الذين استشهدوا في الحملة الاولى في يوم عاشوراء، وهو من جملة الأصحاب الغَيارى الذين دافعوا عن الحقّ، وُلبّوا نداءَ إمامهم سيّد شباب أهل الجنة، أبي عبدالله الحسين سلام الله عليه وهو:
الاسم: مسلم بن كثير الأزدي
الشباك: ضريح شهداء كربلاء
الوفاة: عاشوراء عام 61 هـ .
المدفن: كربلاء
سبب الشهرة: استشهاده في كربلاء «01»
مسلم أو أسلم أو سليمان بن كثير الأزدي، ينتمي إلى قبيلة الأزد، وكان من التابعين، «02» روي أنه كان من أصحاب النبي ﷺ والإمام علي ، وقد حضر معركة الجمل معه، وجرح فيها وتركها وهو يعرج، فلقّب بالأعرج، وهناك من العلماء من لم يذكره من أصحاب النبي ﷺ، كما فند آخرون هذا القول الأخير واستدلوا في ذلك بعدم ذكره في أسد الغابة، الذي لم يفت من مؤلفه أحد من الصحابة إلا وقد ذكره. وكان من أنصار الإمام الحسين الذين استشهدوا معه في كربلاء. «01» وقال العسقلاني في الإصابة: هو أسلم بن كثير بن قليب الصدفي الأزدي الكوفي له إدراك مع النبي صلى الله عليه واله، وذكره ابن يونس وقال: شهد فتح مصر في زمان عمر بن الخطاب. «03»
هنا يعرف قيمة من ثبت مع أمير المؤمنين علي ، وقد عرف مسلم بن كثير بشجاعةً المتميزةً في هذه الحرب العظيمة، حتى اصيبت إحدى رجليه فصار بعدها يعرج. فقد رماه عمرو بن ظبة التميمي بسهم على ساقه فجرحه، ومع كل ما جرى وحصل له، خرج ثابتاً في أيمانه وولائه لأهل البيت ، لاسيما الإمام امير المؤمنين ، بدليل عظيم وهو وقوفه عملياً إلى جانب الإمام الحسين في حرب محسومة النتائج، حيث كانت الشهادة لا غير، وهذا لعمري دليل ما بعده دليل على صدق الولاء وثبات العقيدة ورسوخ الإيمان. وما ثباته في حرب الجمل إلا مقدمة لنجاحه في غيرها، فدوره المتميز أهلّه ليدخل مدرسة كربلاء، والتي لم يدخل اليها إلا من أمتحن الله قلبهِ بالإيمان، ولذا نجد الحسين كان يصفي أصحابه بين الفينة والاخرى، حتى استقر العدد على ما استقر عليه في كربلاء. «04»
كان والد الشهيد من الرواة الثقاة لأحاديث رسول الله ﷺ، حيث تؤخذ منه أحكام الشريعة ومفاهيم الدين، مما يحمل في طيّاته من عظة وعبرة لنا، كما كان لوالده من قصص الجهاد والبطولة في ساحات الدفاع عن الاسلام والمسلمين، وقد كانت لقبيلة الأزد عموماً مشاركات واضحة وأيادي بيضاء. وإذا كان الاب كذلك فكيف الابن ففي القول الشائع ”من شابه أباه فما ظلم“. «04»
التحق بالركب الحسيني قبل نزول الإمام بكربلاء. «01» وقيل أنه خرج من الكوفة والتحق بالحسين قرب كربلاء «02».
استشهد في الحملة الأولى يوم عاشوراء. «01»
ذكرته زيارة الناحية تحت عنوان ”أسلم“، وفي الزيارة الرجبية باسم ”سليمان“. «01»
وهنا تنتهي حلقتنا الثانية والثلاثون باستشهاد ”مسلم بن كثير الأزدي“ مناصراً لأبي الضيم وابو الأحرار ومدافعاً عنه، بل مناصراً للحق الالهي، فارُ من نار سعرها جبارها لغضبه، إلى جنة عرضها السماوات والارض، أعدها ربها لرحمته.