كن عظيما ودودا
لا أحد من الناس لا يتوق لأن تكون لديه ميزات حميدة، تجعله مختلفًا وأفضل من غيره. واحدة من تلك الميزات، أن يكون ذا خلق عظيم، محبوبًا ودودًا بين أهله وذويه، وعند الآخرين. يعتقد البعض أن هذه المَلَكة، هبة من الخالق أودعها في جينات البعض، فتميزوا وأصبحوا، بقدرة قادر جذّابين، يتمنى الجميع من أن يدنوا منهم ويتقربون إليهم، عسى أن يكسبوا ولو القليل مما يحملونه من عطر المودة، ونفحات الطاقة الإيجابية، التي ينفردون بها دون غيرهم.
لا يبدو هذا الوصف دقيقا بالنسبة للمهتمين والمتخصصين من علماء النفس والاجتماع، وبالخصوص في هذه الأطروحة من حياة الفرد. بداية، أنت لا يمكنك أن تكون محبوبا بين الناس، إذا لم تُبدي إعجابك بهم في المقام الأول. لكل منا عيوبه، لكن عندما تستقبل الآخرين بحب وبشاشة وجه وانشراح صدر، فإنهم في المقابل يتعاملون معك بالمثل، على ما يحملونه من سلبيات وإيجابيات. وبما أن الأكثرية من الناس يحبون التحدث عن أنفسهم، هذا يدعوك لأن تكون مستمعًا جيدًا، تتقن تدوين ما يقولونه عقليًا، بالإضافة إلى ما تمتلكه من قدرات في فن الحديث ومفردات الحب، ونسبة معقولة من الذكاء العاطفي.
كٓبَشَرْ، نتوقع من الآخرين أن يعاملونا كما نتعامل معهم من خلق راق وطيب معشر. السؤال: ماذا لو لم نحصل على نفس المعاملة؟ إذا كانت أكثر التجارب التي مررت بها، مُخيّبةً للآمال، حيث أنك بذلت جهودًا كبيرة لكسب تقدير الآخرين، لكنهم في المقابل لم يقوموا بواجبهم تجاهك، فهذا لا يدعوك لأن تستسلم وتتوقف عن محاولاتك. خبراتك الحياتية علمتك الصواب من الخطأ، والجيد من السيئ. صرت تأخذ في الاعتبار تصرفاتك، وتصرفات الآخرين، والكيفية التي ينتهي إليها شعورك في كل مداخلة أو حديث.
ابدأ بنفسك، ولا تنتظر من الآخرين أن يعملوا على تحسين أنفسهم أولًا. وإن رأيت نفسك وحيدًا في الميدان، فلا تتردد بالقيام بأعمال مختلفة عما كنت تعمله من قبل. كن متواضعًا، ودودًا للآخرين، لتكتشف مع مرور الوقت، مدى تأثير تلك التصرفات على تحسين بيئتك وجودة الحياة فيها، وأن الناس بدأت تتغير بالفعل. كونك لست ملاكًا ولا معصومًا، فأنت إنسان كغيرك من الناس محمّلًا بالعيوب والأخطاء. اعترافك لنفسك بأنك معرض للخطيئة في أي وقت، سيمكنّك على المدى الطويل أن تكون شخصًا جيدًا يتحمل المسؤولية الكاملة عن أقواله وأفعاله.
معرفتك بأنك تفعل الشيء الصحيح، بمنأى عن معرفة الآخرين عن جودة جوهرك، قد يكون من أصعب الأشياء التي يمكنك الإحاطة بها، في زمن صار التواصل بين أفراد الأسرة الواحدة يتم عن بعد، وعبر وسائل السوشيال ميديا. الناس تعيش على فطرة الحاجة إلي الشعور بالأهمية والمكانة، وبأنهم قد ساهموا وشاركوا في ترك انطباع إيجابي دائم في ذاكرة المجتمع. في النهاية كل ما أسعى إليه في هذه العجالة، هو رؤية أفراد المجتمع وقد جمعتهم الأُلفة والمحبة الصادقة، التي لا يشوبها حقد أو غيرة أو نفاق.
الشكوى والتظلم واللوم، ليسوا بأسهل من المجاملة والاتعاظ والاعتبار. ردات الفعل السلبية التي تواكبها وتعيشها لحظة بلحظة، جراء تفاعلك اليومي مع الناس، ما هي إلا نتائج ثانوية لمجتمع قائم على الخوف من الآخر. في عصر الذكاء الإصطناعي، والواقع الإفتراضي، بات علينا أن نقوم بدورنا الريادي في أن ندفع الناس قدمًا إلى التفكير الإيجابي تجاه بعضهم البعض، وإلى التصرف بعقلية الحكيم، ليسود الحب والإحترام بين أفراد المجتمع الواحد.
«كن عظيمًا ودودًا، قبل أن تكون عظامًا ودودا» الشيخ الشعراوي رحمه الله. كلمات تُكتب بماء الذهب، تحتاج إلى أنفس راقية تناضل ليل نهار لتربي أنفسها على قيم الأنبياء ومآثر الصالحين، لتعيش حياة طيبة ترضاها، وتسعد بها في دنياها.