وقود الاصلاح الحسيني «25»
الشهيد كردوس بن زهير التغلبي
قال تعالى في سورة آل عمران: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ﴾ 207.
وقال في سورة الحشر: ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِر، وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾ 23.
وقال الإمام الحسين : ﴿من كان باذلاً فينا مهجته، موطناً على لقاء الله نفسه، فليرحل معنا﴾. «01»
لانزال مع اصحاب الامام الحسين الذين اختفت تفاصيل سير أكثرهم عن المنبر الحسيني، والذين استشهدوا في الحملة الاولى، وضحوا بأنفسهم في سبيل معتقدهم، وقدموا ارواحهم فداء لإمامهم، رغم علمهم أن القوم يطلبونه هو وحده، ولو إنهم ظفروا به ما أبهوا بغيره. ونحن هنا نحاول تجميع سيرهم المتناثر هنا وهناك، وتاريخهم المخفي بين صفحات التاريخ، ولو إن هذه السير زهيدة لا تشفي شغف الباحث والمحقق، وقد تكون كتبت بأيدي معادية لفكر الإمام الحسين .
ولا يخفى أن هذه النماذج البشرية التي أصبحت شوكة في عيون الجائرين والمعتدين على حقوق المساكين، أوجدت نهجاً تحررّياً مشبعاً بروح التقوى والإخلاص، ظل على مدى التاريخ سبباً في سلب النوم من عيون الجبابرة والمتكبرين، يقض مضاجعهم على الدوام، وأظهرت هذه النماذج هوية إنسانية جديدة، قدمها الحسين درساً في الحريّة والمروءة حتّى لغير المسلمين.
وبين أيدينا الجوهرة الخامسة والعشرين من هذه السلسلة المباركة، جوهرة التحقت بركب شهداء الإصلاح الحسيني، واستشهدت ضمن الذين استشهدوا في الحملة الاولى في يوم عاشوراء، وهي من جملة الأصحاب الغَيارى الذين دافعوا عن الحقّ، وُلبّوا نداءَ إمامهم سيّد شباب أهل الجنة، أبي عبدالله الحسين سلام الله عليه:
اسم الشهيد: كردوس بن زهير التغلبي
موقع الشباك: ضريح شهداء كربلاء
سنة الوفاة: عاشوراء عام 61 هـ
مكان المدفن: كربلاء
سبب الشهرة: من شهداء الحملة الأولى في واقعة عاشوراء. «01»
هو كردوس بن زهير التغلبي، وكردوس: تعني ”القوي الضخم“، وذُكرت أسماء أخرى له: كرش أو كردوش، أو ”كردوس بن عبداللَّه“، ويرجع نسبه إلى قبيلة تغلب العربية، من أصحاب رسول الله ﷺ والإمام علي ، ومن المشاركين معه في حروب الجمل، وصفين، والنهروان، وكذلك من أصحاب الإمام الحسن . «01» وقال نصر بن مزاحم المنقري الكوفي في كتاب صفين: إنّ عليا لما عقد الألوية للقبائل فأعطاها قوماً بأعيانهم جعلهم رؤساءهم وأمراءهم، فجعل على قريش وأسد وكنانة عبداللَّه بن عباس، وعلى كندة حجر بن عدّي الكندي، وعلى بكر البصرة حُضَين بن المنذر، وعلى تميم البصرة: الأحنف بن قيس «وقاسط بن عبد اللَّه بن زهير بن الحرّث التغلبىي»، وعلى حنظلة البصرة أعين بن ضبيع «وكردوس بن عبداللَّه بن زهير التغلبى». «03»
وجاء أن ولادة كردوس في سنة «32 هـ /653م». «04» وقال الشيخ السماوي في ابصار العين: كان قاسط وأخواه كردوس ومسقط من اصحاب أمير المؤمنين ، ومن المجاهدين بين يديه، ثم صحبوا الإمام الحسن ، وبقوا في الكوفة، ولما ورد الإمام الحسين كربلاء خرجوا إليه. «05»
قبيلة تغلب أحد قبائل ربيعة بن نزار، ويرجع نسبها إلى تغلب بن وائل بن قاسط بن هنب بن افصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان، فهو أخو بكر بن وائل. سكنت الإحساء بعد هجرتها من الحجاز بسبب الصراعات القبلية مع باقي بطون ربيعة، ثم الجزيرة الفراتية، الواقعة بين نهري دجلة والفرات، شمال غرب العراق، وشمال شرق سوريا. وهي القبيلة الوحيدة من قبائل ربيعة التي اعتنقت - في الجاهلية - المسيحية، بسبب قرب مسكنها من الشام، مهد السيد المسيح . «05»
ولما ورد الإمام الحسين كربلاء التحق به هو وأخويه قاسط ومقسط، واستشهدوا بين يديه في يوم عاشوراء، وقتل كردوس في الحملة الأولى، وقد ورد اسمه في زيارة الشهداء. «01»
كان له مواقف كثيرة، منها: خطبته في معركة صفين، حيث تحدث فيها عن الولاء للحقّ والبراءة من الباطل، جاء فيها: «أيّها الناس، إنّا والله ما تولّينا معاوية منذ تبرأنا منه، ولا تبرّأنا من علي منذ توليناه، وإنّ قتلانا لشهداء وإن أحياءنا لأبرار، وإنّ علياً لعلى بّينة من ربه، ما أحدث إلاّ الانصاف، وكلّ محق منصف، فمن سلّم له نجا، ومن خالفه هلك». وعندما بلغ معاوية مقالة كردوس لقومه في صفين، نُقل عنه أنه قال: ”ما لقيت من أحد ما لقيت من ربيعة“، وينقل النجاشي أبياتاً من الشعر تكشف عن صلابته جاء فيها:
إنّ الأراقم لا يغشاهم بوسٌ ما دفع الله عن حوباء كردوس
نمته من تغلب الغلبا فوارسها تلك الرؤوس وأبناء المرائيس
لن تدركوا الدهرَ كردوساً وأسرته أبناء ثعلبة الحادي وذو العيس «01»
كان له موقف آخر بعدما وقعت الفتنة في صفين بعد قبول أمير المؤمنين علي بالتحكيم، وقيام عمرو بن العاص يتكلم: إنّ هذا قد خلع صاحبه «يقصد أبو موسى الأشعري وخلعه الإمام علي عن الخلافة» فأنا أخلع صاحبه كما خلعه، وأثبت صاحبي معاوية في الخلافة، فلمّا سمع كردوس بذلك قام مغضباً وقال أبيات من الشعر، جاء فيها:
ألا ليت من يرضى من الناس كلّهم بعمرو وعبدالله في لجّةِ البحر
رضينا بحكم الله لا حكم غيره وبالله ربّاً والنبيّ وبالذكر
وبالأصلع الهادي عليٌ إمامنا رضينا بذلك الشيخ في العسر واليسر
رضينا به حيّاً وميتاً وإنّه إمام هدىً في الحكم والنهي والأمرِ
وله نصّاً آخر قاله في صفين: ”يا أهل العراق لا يهدّئنّكم ما ترون من رفع المصاحف فإنّها مكيدة“. «01»
لقد حوت كتب المسلمين على مجموعة من الروايات التي نقلها الشهيد كردوس التغلبي، ومنها: في كتاب الطبقات الكبرى لأبن سعد، وكتاب سنن الدارمي، وكتاب ثواب الأعمال وعقاب الأعمال للشيخ الصدوق. «01»
لم تحدثنا الروايات عن عدد أبناء الشهيد، ولكنهم ذكروا بأن له ولداً كبيراً اسمه داود، وأنه كان من الشخصيات العلمية في حياة أبيه، ولقد ترجم له جملة من العلماء والمحدثىن، حتى أنهم ىروون أنه قال: کنت أنا الوسيط في الصلح الذي جرى بين عمر بن الخطاب وبني تغلب، حينما أرادوا الحقوا بالروم. «01»
لما ورد الإمام الحسين كربلاء التحق هو وأخويه قاسط ومقسط به، واستشهدوا بين يديه، وقُتل كردوس في الحملة الأولى. «01» كما جاء أن كردوس وأخواه مقسط وقاسط تركوا الكوفة ليلاً واتجّهوا نحو الحسين ، وفي يوم عاشوراء برزوا نحو الأعداء وقاتلوا حتّى استشهدوا. وذكر كردوس في جملة شهداء الحملة الأولى. «02»
وقد ورد ذِكرهُ في زيارة الشهداء بقول: ”السلام على قاسط وكردوس ابني زهير التغلبي ورحمة الله وبركاته“. «01» ورد السلام عليه في زيارتي الناحية والرجبيّة. «02»
وهنا تنتهي حلقتنا الخامسة والعشرون باستشهاد ”كردوس بن زهير التغلبي وأخوته“ مناصراً لأبي الضيم وابو الأحرار ومدافعاً عنه، بل مناصراً للحق الالهي، منقذاً نفسه من نار سعرها جبارها لغضبه، متجهاً إلى جنة عرضها السماوات والارض، أعدها ربها لرحمته.