مخاوفك وشجاعة المواجهة
تَقوقُعك داخل شرنقتك، يجعلك تعتقد أن العالم لا تتعدى حدوده المكان الضيق الذي آثرت البقاء فيه على غيره. ما أن تحرر نفسك من الشرنقة، التي وجدت فيها راحتك، وتدخل فضاء الحرية، حتى تبدأ رحلتك الممتعة. من الساعات الأولى لانْطلاقتك من ذلك السجن ”شرنقتك“، تتضح لك آفاق ومسارات هذه الرحلة المثيرة، لتكتشف من خلالها خبايا عالمك الجديد، وما أودع لك فيه الخالق من رزق، يتطلب السعي، مع الكثير من المثابرة والتفكر، لنيل نصيبك من الدنيا، وما كتبه لك الكريم من خير. شجاعتك للتخلي عن شرنقتك، واستبعاد الخوف من حياتك، هو المفتاح السحري، الذي يحدد حجم عالمك الذي تحلم بالعيش فيه، وتأخذ مكانتك الطبيعية التي تليق بك وقدراتك.
من الطبيعي أن تكون تصرفاتك محدودة، كما أنه من البديهي أن تتعثر في مكانك دون أن تتزحزح قيد أنملة، وتمضي قُدمًا إلى الأمام. أنت اخترت التقوقع في مكان الراحة، واعتبرت خروجك إلى العالم الآخر مجازفة، ستقلب موازينك رأسًا على عقب، وتجعلك في حيرة وضياع. لقد بات واضحًا أن قلقك من المجهول وخوفك من التغيير، هو العقبة الأم التي تحول بينك وبين تقدمك ونجاحك، وهذا ما لا ترتضيه لنفسك.
عندما كُنتَ طفلًا، كُنت تتلقى الكثير من التوجيهات والتعاليم من قِبل والديك، رعايةً منهما لك، وحبًا في أن يَرَوْك في مستقبل زاهر. كانوا، على سبيل المثال، يصدرون لك الأوامر بالاختلاط مع الأطفال الآخرين، لتتعلم منهم وتنمي مدَاركك الحسية والعقلية. تتقدم في العمر، فيبدأ والداك بالانسحاب شيئًا فشيئًا، رغبة منهما في أن يوفرا لك فرصة الإستقلالية عنهما، والبدء في إدارة نفسك بنفسك، واتخاذ القرارات التي تحدد مصير حاضرك ومستقبل أيامك.
كلما تغلبت على مخاوفك وتصرفت بشجاعة، خلافًا لما تشعر به من رهاب ينتاب قلبك في كل مرة تُقْدم فيها على أمر ما، كلما قطعت مرحلة مهمة، تتجاوز فيها الكثير من الصعوبات والمخاطر الحياتية. هذا لا يعني أنك لن تتعثر مستقبلًا، لكن تعثرك سيكون أقل وقعًا عليك من عثرات الماضي، لأنك قد تعلمت الكثير، وتبين لك أن هذه العثرات ما هي إلا جرعات تقوّيك لمواجهة المزيد من التحديات والخروج منها بنتائج مرضية، تنبئك عما سيكون عليه المؤمّل من مستقبلك.
خروجك من شرنقتك وتعرفك على عالمك الجديد، يزيدك قوة على قوتك، ويبعث فيك الأمل، بأن أمورك متجهة في الإتجاه الصحيح، وبأنك لست أقل من غيرك، بل ربما أفضل مما تتصور، وبأنك يمكنك الوصول إلى ما وصلوا إليه وأكثر. تفهمك بأن ليس هناك ما يدعوك للتقوقع، يفتح لك الأبواب مشرعة، ويغير بعض قناعاتك الخاطئة، بأن تلك العوالم قد خُلقَت لأناس بعينهم، دون غيرهم. ما أن تتجاوز مناطق الراحة، وتدخل في متاهات المجهول من عالمك الجديد، حتى تتكشف لك الأمور على حقيقتها، وتبدأ في تغيير الكثير من أفكارك القديمة واستبدالها بأخرى، تتناسب ولغة العصر الجديد الذي دخلته للتو وبدأت التكيف معه.
شجاعتك في اتخاذ القرار الصائب بأن تتغلب على مخاوفك، باتباع نمط حياة مغاير لما كنت عليه، هو بداية جريئة لتوسيع وعيك ومداركك الحسية، وانفتاحك على كل ما هو جديد في عالم يتغير بسرعة هائلة، ويقتضي مواكبة حثيثة، تلبي متطلبات العصر الجديد الذي دخلت فيه. استجابتك للمتغيرات الجديدة ومعانقتك لها، في حدود موزونة، لا تخل بالموروث المجتمعي من العادات الحميدة التي تربيت عليها، دليل على وعيك، وأنه خيار يحدد مسار حياتك في أن تكون شيئًا، أو أن ترجع من جديد إلى شرنقتك وعالمك الصغير.