آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 1:35 م

«اللاعنف والسلام» وجهان لعملة واحدة

ليالي الفرج * صحيفة الرأي السعودي

في الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول من كل عام، يحتفل العالم «باليوم العالمي للاعنف»، وهو اليوم المتزامن مع مولد أيقونة اللاعنف الزعيم الهندي المهاتما غاندي، والذي مرّت ذكراه السنوية قبل ثلاثة أيام.

الداعي لاستدعاء هذا المفهوم الإنساني الذي يظهر متجذرًا في عمق الثقافة الإنسانية هذا اليوم، هو ما تمرّ به المجتمعات المعاصرة من سطوة العنف الذي تتوسع دوائر تأثيره، وتتنوع أشكال اختراقه للفضاء البشري الذي أثقلته أوجاع العنف، وتقاسمته تراجيديا الآلة مبشّرةً عمّا يوصف بالعبور إلى طور جديد، تحت مفهوم «ما بعد الإنسان».

إنّ مفردات العنف الفردي أو الجمعي، المنظم أو العشوائي، جميعها تصبّ في عالم غلبت عليه نزعة غياب الإنسان وحضور صور كائن شوهتّه بروق المطامع، واستولت على وعيه لغة التطرّف وحبّ الهوى الذاتيّ، أفرادًا أو جماعاتٍ.

وبالفعل، فإن بوتقة الميديا الإعلامية وعلى مدار الساعة لآتيةٌ بما لم تستطعه الأوائل، كما يعبّر المعرّي، في موقغ يظهر مقطع فيديو يصور تعذيب طفل، وآخر يعرض تعنيفًا مؤلمًا لرضيعة، في سلوك جرائمي يعاقب عليه القانون، ويضع هؤلاء المعنٍّفين تحت طائلة لوائح العقوبات الجزائية.

وكعلاقة بين اللاعنف وبين السلام، تتساوى المفردتان معجميًا عن بعض الدراسين، بينما يجد آخرون أنهما مختلفتان، حيث يظهر لديهم أن السلام هو الهدف النهائي، فيما يعادل اللاعنف طريق الوصول إلى السلام ذاته، وكأنهما وجهان لعملة واحدة.

وها هو الأمريكي الشهير في تعليم مناهج المعرفة المرتبطة باللاعنف، كولمان مكارثي، يبين مدى أهمية نشر اللاعنف كجانب معرفي ومحتوى تعليمي في المدارس والمعاهد والجامعات، ضرورة معاصرة ورافعة معرفية في حقل الوعي الاجتماعي وثقافة الأجيال القادمة، درءًا لمزالق الطريق، ووقاية من ردى الفكر الشاذ.

ومن أهم الوقاية، كذلك، ردّ كل اعتداء على البلاد والعباد وحفظ الثغور والذود عن الوطن وأبنائه والمحافظة على المكتسبات والمقدرات الوطنية، إذ: إذا لم يكن إلّا الأسنّةُ مركبًا، فما حيلةُ المضطرِّ إلاّ رُكوبُها.

وعن «غاندي» قرأت ذات مرّة عن احتمال إسلامه، رغم عدم شيوع ذلك، لكنّ شخصية غاندي صار لها من الموقع الذي أتاح لها أن تأتي في الأحاديث بمستوى الحتمية التاريخية، بفضل ثقافة التسامح التي مارسها ودعا إليها، وبالنظام الأخلاقي الذي كرّس حياته لتطبيقه، في موقف يشير إلى ذلك، سأله أحد الأشخاص: لمَ تركب الدرجة الثالثة في القطار؟، فردّ: لأني لم أجد درجة رابعة فيه.

كاتبة رأي في صحيفة الشرق السعودية
شاعرة ومهتمة بترجمة بعض النصوص الأدبية العالمية إلى العربية ، ولها عدَّة بحوث في المجال التربوي.