الأطفال الشهود كضحايا
توقعت بأنني بعد رواية «أيقظني الديك» التي ناقشت فيها قضايا الطفولة برؤية حقوقية ونفس اجتماعي نقدي، سأطوي ملف الأطفال، غير أن ملاحظاتي ازدادت، فوجدت أن الأطفال في كثير من الأحيان ضحايا للتنشئة الأسرية والظروف المفروضة قبل أي شيء.
فمن المظاهر المؤثرة التي طغت على جيل الأطفال مؤخرًا: اضمحلال البراءة، القضية ليست مرتبطة بذكاء ونباهة الطفل بل في إهمال الأهالي واعتبار أن إطلاع الأطفال على كثير من شؤون البالغين أمر طبيعي من نتاج تعاقب الأجيال، وهذا مقبول نسبيًا، إنما إلى أي حد؟.
إن جرح الطفولة بتزويج القاصرات يشبه جرح البراءة بكشف أسرار البالغين أمام مرأى الأطفال، فالصورة التي تقتنصها العين تعلق في الذهن، لاسيما الصادمة للتوقعات، وهنا يغفل الكثير عن حق البراءة للطفل كممارسة وإحساس، ولهذا تُهمل رعايتها!.
المشاهدة السينمائية والتلفزيونية لما هو غير مناسب للأطفال كالقتل والعنف أو اللقطات الساخنة والحميمة، وهذا مطب عصري لكثير من الأسر التي لا تقبل بالتنازل عن حقها في المشاهدة والترفيه تحت مرأى الأطفال، وبالرغم من الانعكاسات الواضحة والسريعة كالخوف والأحلام المزعجة أثناء النوم أو اكتساب ألفاظ غير مناسبة، أو تقليد للمشاهد الحميمة، إلا أن كل هذه الأعراض لا تدفع الأهالي للتوقف أو تغيير موعد المشاهدة.
إن التهاون والتصغير لهذه الصدمات من قِبل الوالدين أو المدرسة ينعكس سلبًا على نفسية وأفكار وسلوكيات الأطفال، فالوعي التربوي يقود المربين لتقييم حجم المشهد الذي تعرض له الطفل، ومن ثم التعاطي معه بشكل مناسب.
ومؤسف جدًا أن بعض الأهالي يسيئون تقدير أخطائهم وقد يبررون لها، والأصعب عندما يلغون الفوارق العمرية، فيظنون أن وقع المشهد على الطفل كما هو عليهم، فعيونه كعيونهم وإحساسه كإحساسهم.
إن ما ذكرته أعلاه ليس من بنات أفكاري، بل من واقع مواقف متباينة بين الأهالي، شهدت آثارها المختلفة من أسرة لأسرة ومن ظرف لآخر، فالطفل في مرحلته المبكرة كالعجينة التي يسهل تشكيلها والسيطرة على أبعادها، وهذه المرحلة هي فرصتنا لغرس البذور، فالمراحل التالية سيقودها التحرر أكثر فأكثر وقد نكون خارج الدائرة، فلنترفق على أطفالنا.