الشيخ إبراهيم الميلاد... الكلمة المسؤولة
مع إشراقة الصباح... كانت له كلمة قصيرة... يصمم لها تصميمًا بسيطًا... يرسلها لأحبته...... حتى كان يوم 18 سبتمبر 2019 فكانت الكلمة الأخيرة... وفي صباح يوم 19 سبتمبر 2019 أيقضنا خبر الوفاة الذي كان صدمة لم تكن بالحسبان... الخبر تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي بصورة سريعة... ليقف الجميع مصدومًا حزينًا لهذا الخبر... أهكذا يكون الرحيل وبهذه الصورة العاجلة...
وفي هذا الحدث المؤلم يقف الأصدقاء يتذكرون تلك المواقف وتلك الكلمات الجميلة... يتذكرون ذلك العالم الذي كان يأمهم في صلاة الجماعة... يتذكرون مواعظه بعد الصلاة... يتذكرون أخلاقه الكريمة... وستبقى هذه الذكريات خالدة...
روي عن رسول الله ﷺ أنه قال: العلماء مصابيح الأرض، وخلفاء الأنبياء، وورثتي وورثة الأنبياء «1».
للعلماء الصالحون مكانة مرموقة في المجتمع، فهم يمثلون حلقة الوصل بين الأرض والسماء، وهم مصابيح يستضيئ بها أهل الأرض، وهم ورثة الأنبياء، ورثوا منهم المعارف الإلهية.
العلماء الربانيون يعيشون هموم المجتمع فتراهم يسعون جاهدين للنهوض بمجتمعاتهم والرقي بها، فهم يوجهون الناس نحو الصراط المستقيم، ويرشدونهم لما فيه الخير والصلاح.
لعل أصدقاء الفقيد لديهم ذكريات ومواقف عديدة تنم عن تلك الشخصية الرسالية التي كان يتمتع بها الفقيد، ولكني هنا سأنقل لكم بعض تلك الكلمات الرسالية لتي كان يرسلها لنا في كل صباح:
لا تستهين بكل قطرة مطر فإنها متى ما اجتمعت ربما أغرقت الوادي.
الخطوات ما لم تكن ثابته ستتعثر ولوبعد حين.
إذهب أينما شئت وخالط من تشاء فلن تجد ما هو أقل من العدل والإنصاف بين الناس.
الأخلاق عقلٌ كبيرٌ وقلبٌ سليمٌ وإحساسٌ مرهفٌ وذوقٌ رفيع رفيعٌ ولباقة ومدارةٌ.
كل شخص لديه ما يتفرد به من صفات الجمال.
لا شيء أكثر صدقاً من الحقيقة عندما تتكلم.
الخطأ الذي لا تتجاوزه ستقف عنده إلى الأبد.
كن على يقين بأنه لن يكون أحد أقرب إليك من الله أبداً.
حاول أبداً أ، ترى الحياة أفضل مما هي عليه.
كلما تقدم العمر بنا أكتشفنا بأن قيمة كل شيء إنما هو بحقيقته لا بمظهره.
أكثر مشاكل الإنسان بسبب عاملين: جهله بالحق وقلة صبره عليه.
لم أجد ما هو أقل من الأنصاف ولا أخطر من الهوى ولا أسهل من الكلام ولا أفضل من الورع ولا أسمى من العفو ولا أجمل من اللين ولا أعنف من اللسان ولا أحسن عاقبة من الشهادة.
كل كلمة تمثل درسًا عظيمًا.. لقد كان الفقيد مطبقًا ما ورد عن الإمام علي حيث يقول: الكلمة من الحكمة يسمعها الرجل فيقول أو يعمل بها خير من عبادة سنة «2».
جاء في كلمة سماحة الشيخ حسن الصفار: كان ”ذا قلم رشيق في كتاباته ومؤلفاته، ورعاً في سلوكه وسيرته“
فللفقيد عدة مؤلفات تمتاز بالعمق الفكري والتوجيه التربوي، نذكر منها:
1»: في ظلال العطلة الصيفية: يرسم فيه خارطة تربوية ومعالم رسالية لاستثمار الوقت والمشاركة في البرامج الاجتماعية.
2»: الاستطاعة في الحج عند الشيعة الأمامية بالمشاركة مع الشيخ عبدالغني العباس، والشيخ فيصل العوامي، والشيخ محمد سعيد الخميس وفي هذا الكتاب تتجلى تلك القدرة الإرشادية والفقهية لمعالم وأحكام الحج.
3»: نحن والغرب رؤى ومواقف كتبه عند سفره للمجر، وفيه تلمس هموم العالم الرسالي الذي يحمل هموم الأمة الإسلامية.
4»: بصائر رسالية في الدين والسياسة والاجتماع وفيه تقرأ تلك الروح وتلك الأفكار وتلك الرؤى التي تبعث فيك الحياة، وتزيدك علماً وفهماً للحياة.
5»: في ظلال شهر رمضان، تقرأ فيه كيفية الاستفادة من شهر رمضان، الذي يمثل مدرسة روحية وتربوية أخلاقية.
إضافة إلى مقالات متفرقة في مواقع الشبكة العنكبوتية، والمجلات الثقافية والفكرية والقرآنية كمجلة البصائر والقرآن نور.
كما كانت له مشاركة قيمة في كتاب «كيف نقرأ كربلاء» الذي أصدرته لجنة الإمام الجواد بالشويكة.
كما كانت له مشاركات في المؤتمرات القرآنية قدم فيها دراسات قرآنية راقية ك «منهجية تفسير القرآن بالقرآن... كيف نزل القرآن نموذجاً» ودراسة بعنوان: حسبنا كتاب الله في الميزان.
وغيرها الكثير من المشاركات القرآنية والثقافية.
بين فينة وأخرى كان الفقيد يتحفنا بإحدى القصائد الشعرية التي تقرأ فيها الفصاحة والبلاغة والحب لأهل البيت
وكانت قصيدته الأخيرة في الإمام الحسين التي تحمل كل معاني الولاء، والمعاني السامية التي نادى بها الإمام الحسين بعنوان: مواقف الأحزان
نذكر منها هذه الأبيات
قف ْ بالطفوفِ مَواقِفَ الأحزانِ واندبْ حُسيناً سيدَ الشبّانِ
واذكرْ مُصابَ السِّبْطِ إنّ مصابَهُ أبكى السّماءَ بأدمعِ الوَلْهانِ
يومٌ لَهُ في كَربَلاءَ مُخلّدٌ هَيهاتَ تَبلغُهُ يَدُ الأزمانِ
وأعتقد أن هناك قصائد أخرى للفقيد لعل الأيام القادم يهيأ لها من يخرجها إلى النور
وهناك جوانب أخلاقية وتربوية لعل الأصدقاء يكتبوا عنها لتبقى هذه المواقف خالدة ويستفيد منها الأجيال.
أخيرًا وكما يقول الإمام علي : العلماء باقون ما بقي الليل والنهار «3».
رحمك الله يا شيخنا الغالي وحشرك الله مع النبي محمد وأهل بيته الأطهار