هل باستطاعتنا إحياء الأموات؟
كان لي شجيرة جميلة، كريمة في عطائها، رغم صغر حجمها، تزهر بالورد الابيض العطر الفواح، وكنت اقطف منها يوميا، يطلق عليها شجرة الفُل او الياسمين وبالعامي او قديماً تسمى رازقي.
ذات يوم ذبلت، وجفت أوراقها، إلى أن اصبحت شجرة هامدة، ميتة جافة الاوراق والسيقان.
قررت ان اجتثها، واخرجها من منزلي، لان منظرها أصبح لا يليق، ولا فائدة من وجودها.
تأخرت كثيراً في تنفيذ قراري، بإخراجها من منزلي، لربما الحر وانشغالي منعني من الخروج لحديقة المنزل لرميها.
كان ينتابني شعور غريب نحوها، وكأنه حسره عليها، هذه الشجرة كانت من الأشجار الكريمة، بزهورها وعطرها الفواح.
قررت ان أعطيها حقها من الاهتمام ومباشرة العناية بها شخصيا.
بدأت يوميا عند خروجي، مشاركة الزرعة، زجاجة الماء التي كنت اصطحبها معي المنزل، كنت أضع في حوضها جزء من الماء، واصل لها ذبذباتي بكلمة واحده انا احبك وانتِ شجرتي المفضلة.
بذلت اقصى جهدي في إعطائها كل اهتماماتي، لعلها تحيا، وان اقاسمها مشاعري واحساسي الصادق، وحتى الماء الذي أشرب منه،
استمريت على هذا الوضع مدة اسبوعين ما ان دخل الاسبوع الثالث إلا ظهرت لها اوراق خضراء، وسرعان ما أن ارتفعت تلك الاغصان، وكأنها الحان تتناغم مع مشاعري، هي تورق وتزهر وانا قلبي ينبض
حباً لله، حباً لها، حباً لمن يسكنون قلبي، حباً لعملي، حباً لمن هم حولي، حباً لعائلتي حباً لمن يقرأ لي.
كما قال تعالى «يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ»
نبته ميته احيت بالاهتمام ومبادلتها المشاعر، فما بالك لو أعطيت من هم حولك اهتمامك وحبك وعطائك؟
الاهتمام، الحب، العطاء، شرط من شروط السعادة الاجتماعية، كلمة واحده فقط كفيله بإحياء ميت او ممات حي.
العبرة من قصتي،،
واضحة لأصحاب العقول الراقية، ولا تحتاج لتفسير، نحن عندما نعطي.. في الواقع لا نعطي.. ولكننا نأخذ.. نأخذ تلك المشاعر الممتنة.. ممّن أمددناهم بعطائنا... فنسقي بها عطش قلوبنا.. لترتوي من ذلك الفيض.. فيض العطاء
العطاء.. أن تقدم لغيرك ما تجود به نفسك.. من غير سؤالهم إياك..
العطاء.. أن تبادر بتقديم كل ما تستطيع لمن تحب، لتعطيه رسائل مباشرة وغير مباشرة بين الحين والآخر.. لتعلمه بمدى مكانته عندك.. ومدى تقديرك وحبك له.. ماتعطيه يعود لك وإن كان عطائك لجاحد، فربك اكرم وانعم عليك كما قال تعالى «وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا»
العطاء.. أن لا تعيش لأجل نفسك فقط.. العطاء.. هو المنح.. أن تمنح الآخرين مما لديك.. العطاء.. أن لا تنظر لقيمة ما ستعطي.. ولكن أن تنظر إلى مقدار ما سيحدثه ومدى تأثيره.. العطاء.. مادي ومعنوي، والتنويع بينهما أمر جميل ولكن الأجمل لو قدمت كل منهما بفن.. فتعطي عطاءً مادياً بقالب معنوي صادق.. العطاء.. نهر لا يتوقف.. وبحر لا ينضب العطاء.. أن تفرح بفرح من حولك لما قدمته لهم.. العطاء الحقيقي.. حينما تعطي ولا تنتظر أي مقابل.. العطاء الصادق.. حينما تعطي دون أن تشعر أنك مرغم على ذلك..
أكبر مثال للعطاء في الكون.. فهو بلا توقف.. بلا دوافع.. بلا أسباب.. بلا مقابل.. مادي ومعنوي.. كله تضحية وتفاني وحب..
أن تقدم النصح بكل صراحة لصديقك عندما يحتاج.. أن تقدم له وجودك معه في أصعب اللحظات.. تسانده تساعده.. أن تجعل وجودك معه يغنيه عن كل شيء..!! أن تعطيه أذناً وقلباً ينصت لهمومه ومشاكله.. وفكراً يعينه على حل تلك المشكلات.. أن لا تجعله يبحث عنك عندما يحتاجك.. ولكن أن تكون بجانبه وقت حاجته لك.. أن تكون وقت فرحه أول المهنئين.. ووقت حزنه أول المستندين.. أن لا تنتظر مناسبة لتعبر عن مكانته عندك وحبك له.. فاجئه دائماً بهدية، رسالة، موقف لا ينساه، خاطرة تكتبها فيه، أو حتى «مسج» تدخل به السرور على قلبه.. أن تقترح المساعدة وتبادر بها قبل أن يطلبها منك..
كل إنسان معطاء.. هو إنسان محب.. ومن أحب سيعطي من أحبه كل شيء.. وأي شيء.. ليسعده.. وعلى اختلاف أنواع الحب.. فإنها تحتوي جميعاً على العطاء.. فعطاء الحب يتضمن عطاء الأبوين والصداقة وعطاء المعلم، فلو لم يحبوا لما أعطوا!!
وعطاء الحب.. أن تشعر من تحبه أنك دائماً تريده.. وأن تشعره بحبك بلمسات بسيطة، وأن تحسسه باهتمامك بكل ما فيه من تفاصيل، وبكل ما يقول وكل ما يشعر به وكل ما يفكر به.. وأن يكون لديك الشغف دائماً أن تبحر في أعماقه.. وتعرف المزيد عنه.. عطاء الحب.. أن لا تبخل بإحساسك ووجودك واهتمامك على من تحب، ولا حتى بكلماتك الرقيقة ومشاعرك الصادقة تجاهه..