وعلامات وبالنجم هم يهتدون
فطر الأنسان على حب الكمال وأهل الكمال، وتبرز هذه الفطرة كجاذبية روحية بين الأنسان ومحبوبه الكامل، فقد قال تعالى «إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودًا»، وجاء في الدعاء «و أسلك بي مسلك أهل الجذب». وهذه الجاذبية تعبر الزمان والمكان فترى الأجيال تعشق أهل العطاء والتضحية وتخلدهم عبر التاريخ وكأن حياتهم تتجدد عاما بعد عام. وهذه الجاذبية الفطرية حب طبيعي للإنجاز والعطاء الذي يشمل كل جوانب الحياة المادية والفكرية والروحية. إن الأنجاز عامل مهم في نجاح وتطور المجتمعات والأمم، فالأمم المنجزة مثلا تبني الحضارات أما غير المنجزة فتكون مهزومة حضاريا.
إن مسيرة البشرية مدينة لهؤلاء النجوم من أهل العطاء والتضحية فهم قمم انسانية يحبهم البشر ويهتدون بأنوارهم. لذا يعقد البشر العزم والأرادة ويرسمون الخطط للتكامل في أجمل رحلة وعروج نحو المحبوب. نعم ينجح البعض في سعيه الحثيث وتكامله وينجز فيترك أاثراً متميزاً في المسيرة الأنسانية، بينما يفشل البعض الآخر، والسؤال هو كيف يتم العروج نحو المحبوب بنجاح؟
دعونا نرى كيف يتسلق الأنسان قمم الجبال. إن تسلق قمة إيفرست الوعرة في جبال الهيمالايا «8848 متر تقريبا» تحتاج الى خطة عمل متكاملة وتدريب مستمر عسى أن ينجح بعض الأفراد في الوصول اليها. كما ويحتاج الفرد في تسلقها الى خطة طريق واضحة ممن تسلقوها سابقا، وهذه الخطة تشمل علامات ودلائل ومخيمات يقف فيها المتسلقون لأخذ الراحة وتجنب العواصف الثلجية. وتستغرق الرحلة عدة أشهر يواجه فيها المتسلقون الصعاب فيصبرون ومنهم من يفشل ومنهم من يموت في وسط الطريق. ومن الصعوبات المعروفة انخفاض نسبة الأكسجين، فعند مستوى سطح البحر يحتوي الهواء على نسبة 21% من الأكسجين، وحين يصل الأرتفاع الى مستوى 3657 متر تقل مستويات الأكسجين بنسبة 40%. وحين تقل نسبة الأكسجين في الدم ترتفع دقات القلب الى 140 نبضة في الدقيقة. لذا يجب على المتسلقين تدريب أنفسهم بالصعود والنزول الى مخيم معين لعدة أسابيع للتأقلم مع ظروف مايسمى بسحق الرئة قبل محاولة تسلق قمة أيفرست. فيبدأ الجسم في انتاج الهيموغلوبين ليثخن الدم والذي يساعد على نقل الأكسجين من الرئتين الى باقي الجسم، ولكن زيادته يمكن ان تثخن الدم مما قد يؤدي الى سكتة دماغية.
أما في الحياة، فالقمم التي يطمح الانسان أن يعرج اليها قد تكون أصعب منالا وأقل وضوحا، ألا وهي قمم الأنجاز الروحي والفكري والمادي، فبها يترك الأنسان أثراً ايجابياً متميزاً على الحضارة الإنسانية. لذا فالمسيرة نحو الهدف ليست مادية صرفة بل هي روحية وفكرية وأخلاقية وهي تتداخل بشدة مع الجوانب المادية. لذا فإن الأستقامة وعدم الأنحراف الأخلاقي عامل مهم في العروج نحو القمة.
ولكن ماعلاقة إنجاز الأمة اوإنجاز الشركة بإنجاز الأفراد؟ الأنسان كائن اجتماعي فطر على الحاجة للآخرين والعمل معهم كفريق واحد، فيتفاعل إنجازه ويتكامل مع إنجاز الآخرين من أبناء المجتمع. وبقدر مايكون هذا التفاعل ناجحا يكون الإنجاز مميزا وفاعلا، لذا فروح الفريق هي عامل مهم في إنجاز المجتمعات. صحيح أن إنجاز الفرد مهم ولكن الأهم هو إنجاز الجماعات كشركات ومؤسسات.
والسؤال هو ماهي معادلة الإنجاز او الإنتاجية والتي بها يتم العروج نحو القمة؟ لقد عرّف سليجمان الإنجاز بحاصل ضرب الكفاءة في المثابرة:
الإنجاز = الكفاءة * المثابرة
ولعل سليجمان أقتصر على الإنتاج الفردي المادي، بينما نهتم هنا بالإنجاز الجماعي وسنأخذ في الإعتبار الآثار الفكرية والروحية على الإنتاج المادي. لذا نحتاج أن نضيف عاملين آخرين، لايقلان أهمية، وهما الإستقامة وروح الفريق. لذا فمعادلة الإنجاز، كما نراها، هي:
الإنجاز = الكفاءة * المثابرة * الإستقامة * روح الفريق
الكفاءة هي محصلة مشتركة من العلم والثقافة والخبرة والهواية والمهارات كالخطابة والكتابة:
• العلم هو الدراسة التخصصية في حقل معين، فبالعلم تتطور الأمم وتحصل على إستقلالها، لذا ينبغي على أجيالنا الشابة ان تركز على تحصيلها العلمي،
• الثقافة هي الأعراف والتقاليد والقيم والتاريخ والفنون وعلوم الأنسان، فثقافة العمل والإخلاص ينبغي أن تسود مجتمعاتنا لأن النجاح والفوز للمنجزين،
• الخبرة هي العمل في مجال التخصص وتقدر بعشر سنوات او عشرة الاف ساعة خبرة تخصصية. وللصبر أهمية استراتيجية في تنمية الخبرات،
• الهواية هي مايكون خارج نطاق العمل والدراسة كالتصوير والرسم والخط والشعر وغيرهم، وكم فتحت الهوايات من أبواب واسعة للفرص،
• المهارات كالخطابة والكتابة فبها يقنع الفرد الآخرين ويضع أفكاره في خدمة المجتمع. فالماهر في الكتابة والخطابة يحصل على فرص كثيرة لتمثيل الفريق وحضور الإجتماعات مع الإدارات العليا في الشركات، وقد قال الشاعر:
«لسان الفتى نصف ونصف فؤاده فلم يبق إلا صورة اللحم والدم».
المثابرة: بذل الجهد والعمل الدؤوب والنفس الطويل والصبر والسهر والإرداة الحديدية. فبها يتميز أفضل الناس عن أوسطهم، «فمن طلب العلا سهر الليالي». وهي التي تنقل الكفاءة الى مربع الإنجاز فتحول العلم والثقافة الى منجز حضاري.
الأستقامة: إن غاية الأنسان تتعدى المادة لتلمس الروح والفكر، فكلما أستقام الأنسان فكريا وروحيا، كان تركيزه وذوبانه في الهدف أشد. وهذا التركيز يوجه نشاط الأنسان وطاقاته نحو الهدف المحدد. فما قيمة أن يجني الأنسان الثروات او يحصل على المناصب ولكن بطرق ملتوية منحرفة تضر بإنجاز المجتمع والأمة. ويذكر التاريخ الكثير من المنجزين الذين أنحرفوا فأصبح إنجازهم وبالاً على البشرية.
روح الفريق: الأعمال الفردية محدودة التأثير بينما الأعمال الجماعية هي المؤثرة في تطور الشركات والمجتمعات. ولكن حين يغلب عدم الأنسجام بين أعضاء الفريق، يفقد الفريق التعاون وهذا مايضر بالإنتاجية. إن المجتمع أحوج مايكون الى تبني العدالة ليشعرالجميع بتساوي الفرص فتبرز الكفاءات ويزدهر الأنتاج.
هذه خطة طريق للعروج نحو القمة، قمة الإنجاز الفكري والروحي والمادي للأفراد والشركات والأمم. إنه العروج نحو المحبوب الكامل، نحو النجوم المزهرة التي قدّمت وأعطت للبشرية حتى خلّدتها ذاكرة التاريخ. صحيحُ إن القمم الروحية والفكرية والمادية التي يسعى اليها الأنسان في عالم الحياة قد تكون أعلى من قمة أيفرست وأشق صعوبة ولكنها ألذ طعما وأجدى نفعا، وأعم فائدة لبني الإنسان. ومما يزيل الوحشة ويهدأ البال أن الطريق الى هذه القمم سلكه قبلنا السابقون من الأساتذة المفكرين ورجال الأعمال الناجحين وذوي الكفاءة والخبرة، فهم العلامات والنجوم الي نقتدي بها في طريق العروج، وقد قال تعالى: «وعلامات وبالنجم هم يهتدون».