آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 8:37 م

شجاعة الإمام الحسين (ع)

الشيخ عبد الله اليوسف *

عرف الإمام الحسين بن علي بالشجاعة والبطولة والبسالة كأبيه أمير المؤمنين الذي كان مضرب المثل في الشجاعة والفروسية والإقدام والبطولة.

وقد حيّر الإمام الحسين في يوم عاشوراء الألباب، وأذهل العقول بشجاعته وصلابته وثباته، وقد أظهر من الشجاعة والإقدام ما يعجز عنه الفرسان والأبطال.

يقول حميد بن مسلم: «فَوَاللَّهِ ما رَأَيتُ مَكثوراً[1]  قَطُّ، قَد قُتِلَ وُلدُهُ، وأهلُ بَيتِهِ وأصحابُهُ، أربَطَ جَأشاً ولا أمضى جَناناً مِنهُ ، إن كانَتِ الرَّجّالَةُ لَتَشُدُّ عَلَيهِ فَيَشُدُّ عَلَيها بِسَيفِهِ، فَتَنكَشِفُ عَن يَمينِهِ وشِمالِهِ انكِشافَ المِعزى إذا شَدَّ فيهَا الذِّئبُ» [2]  .

وقالَ بَعضُ الرُّواةِ: «وَاللَّهِ ما رَأَيتُ مَكثوراً قَطُّ، قَد قُتِلَ وُلدُهُ، وأهلُ بَيتِهِ وأصحابُهُ، أربَطَ جأشاً مِنهُ، وإنَّ الرِّجالَ كانَت لَتَشُدُّ عَلَيهِ فَيَشُدُّ عَلَيها بِسَيفِهِ، فَتَنكَشِفُ عَنهُ انكِشافَ المِعزى إذا شَدَّ فيهَا الذِّئبُ، ولَقَد كانَ يَحمِلُ فيهِم وقَد تَكَمَّلوا ثَلاثينَ ألفاً، فَيُهزَمونَ بَينَ يَدَيهِ كَأَنَّهُمُ الجَرادُ المُنتَشِرُ، ثُمَّ يَرجِعُ إلى مَركَزِهِ وهُوَ يَقولُ: لا حَولَ ولا قُوَّةَ إلّا بِاللَّهِ العَلِيِّ العَظيمِ» [3]  .

وقال ابن أبي الحديد: «ومَن مِثلُ الحُسَينِ بنِ عَلِيٍّ ! قالوا يَومَ الطَّفِّ:

ما رَأَينا مَكثوراً قَد افرِدَ مِن إخوَتِهِ وأهلِهِ وأنصارِهِ أشجَعَ مِنهُ، كانَ كَاللَّيثِ المُحَرَّبِ[4]  ، يَحطِمُ الفُرسانَ حَطماً، وما ظَنُّكَ بِرَجُلٍ أبَت نَفسُهُ الدَّنِيَّةَ وأن يُعطِيَ بِيَدِهِ، فَقاتَلَ حَتّى قُتِلَ هُوَ وبَنوهُ وإخوَتُهُ وبَنو عَمِّهِ بَعدَ بَذلِ الأَمانِ لَهُم، وَالتَّوثِقَةِ بِالأَيمانِ المُغَلَّظَةِ، وهُوَ الَّذي سَنَّ لِلعَرَبِ الإِباءَ» [5]  .

وفي كشف الغمّة: «شَجاعَةُ الحُسَينِ يُضرَبُ بِهَا المَثَلُ، وصَبرُهُ في مَأقِطِ[6]  الحَربِ أعجَزَ الأَواخِرَ وَالاوَلَ، وثَباتُهُ - إذا دُعِيَت نَزالِ[7]  - ثَباتُ الجَبَلِ، وإقدامُهُ إذا ضاقَ المَجالُ إقدامُ الأَجَلِ، ومُقامُهُ في مُقابَلَةِ هؤُلاءِ الفَجَرَةِ عادَلَ مُقامَ جَدِّهِ بِبَدرٍ فَاعتَدَلَ» [8]  .

وفي مطالب السؤول: «فَلَم يَزَل يُقاتِلُ... وهُوَ كَاللَّيثِ المُغضَبِ، لا يَحمِلُ عَلى أحَدٍ مِنهُم إلّا نَفَحَهُ[9]  بِسَيفِهِ فَأَلحَقَهُ بِالحَضيضِ، فَيَكفي ذلِكَ في تَحقيقِ شَجاعَتِهِ وكَرَمِ نَفسِهِ شاهِداً صادِقاً، فَلا حاجَةَ مَعَهُ إلَى ازدِيادٍ فِي الاستِشهادِ» [10]  .

ويضيف قائلاً: «الحُسَينُ ثابِتٌ لا تَخِفُّ حَصاةُ شَجاعَتِهِ، ولا تَخِفُّ عَزيمَةُ شَهامَتِهِ، وقَدَمُهُ فِي المُعتَرَكِ أرسى مِنَ الجِبالِ، وقَلبُهُ لا يَضطَرِبُ لِهَولِ القِتالِ ولا لِقَتلِ الرِّجالِ، وقَد قَتَلَ قَومُهُ مِن جُموعِ ابنِ زِيادٍ جَمعاً جَمّاً، وأذاقوهُم مِنَ الحَمِيَّةِ الهاشِمِيَّةِ رَهَقاً[11]  وكَلماً[12]  » [13]  .

وفي الصواعق المحرقة: «فَلَمّا فَنِيَ أصحابُهُ [أي أصحابُ الحُسَين ] وبَقِيَ بِمُفرَدِهِ، حَمَلَ عَلَيهِم وقَتَلَ كَثيراً مِن شُجعانِهِم» [14]  .

وفي موقف آخر يتبين شجاعة الإمام الحسين وعدم مبالاته بالموت، إذ عندما قال الحر بن يزيد الرياحي للإمام الحسين : يا حُسَينُ، إنّي اذَكِّرُكَ اللَّهَ في نَفسِكَ؛ فَإِنّي أشهَدُ لَئِن قاتَلتَ لَتُقتَلَنَّ.

فَقالَ لَهُ الحُسَينُ : أفَبِالمَوتِ تُخَوِّفُني؟ وهَل يَعدو بِكُمُ الخَطبُ أن تَقتُلوني؟

وسَأَقولُ كَما قالَ أخُو الأَوسِ لِابنِ عَمِّهِ، وهُوَ يُريدُ نُصرَةَ رَسولِ اللَّهِ فَخَوَّفَهُ ابنُ عَمِّهِ، وقالَ: أينَ تَذهَبُ، فَإِنَّكَ مَقتولٌ؟!

فَقالَ:

سَأَمضي فَما بِالمَوتِ عارٌ عَلَى الفَتى

إذا ما نَوى حَقّاً وجاهَدَ مُسلِما

وآسى الرِّجالَ الصّالِحينَ بِنَفسِهِ

وفارَقَ مَثبوراً وباعَدَ مُجرِما

فَإِن عِشتُ لَم أندَم وإن مِتُّ لَم الَم

كَفى بِكَ ذُلّاً أن تَعيشَ وتُرغَما[15] 

يقول السيد محسن الأمين «رحمه الله»:

«أما شجاعته فقد أنست شجاعة الشجعان، وبطولة الأبطال، وفروسية الفرسان من مضى ومن سيأتي إلى يوم القيامة، فهو الذي دعا الناس إلى المبارزة فلم يزل يقتل كل من برز إليه حتى قتل مقتلة عظيمة» [16]  .

وهو الذي حين سقط عن فرسه إلى الأرض وقد أثخن بالجراح، قاتل راجلاً قتال الفارس الشجاع، يتقي الرمية ويَفتَرِصُ[17]  العورة. ويشد على الشجعان وهو يقول: أعليّ تجتمعون؟ وهو الذي جبن الشجعان وأخافهم وهو بين الموت والحياة حين بدر خولي ليحتز رأسه فضعف وأرعد. وفي ذلك يقول السيد حيدر الحلي:

عفيراً متى عاينته الكماة

يختطف الرعب ألوانها

فما أجلت الحرب عن مثله

قتيلاً يجبن شجعانها

وهو الذي صبر على طعن الرماح، وضرب السيوف، ورمي السهام حتى صارت السهام في درعه كالشوك في جلد القنفذ، وحتى وجد في ثيابه مئة وعشرون رمية بسهم، وفي جسده ثلاث وثلاثون طعنة برمح وأربع وثلاثون ضربة بسيف[18]  .

ومن شجاعته وصلابته وصبره وثباته كان الأعداء يتعجبون من الإمام الحسين ، وأنه كيف لا يبالي بالموت!

يقول الإمام السجاد : «وكانَ الحُسَينُ وبَعضُ مَن مَعَهُ مِن خَصائِصِهِ، تُشرِقُ ألوانُهُم وتَهدَأُ جَوارِحُهُم وتَسكُنُ نُفوسُهُم، فَقالَ بَعضُهُم لِبَعضٍ: انظُروا، لا يُبالي بِالمَوتِ!» [19]  .

وهذا يؤكد على أن الإمام الحسين كان في يوم الطف ثابت الجنان، رابط الجأش، قوي الشكيمة، مقدام في الوغى، بطل صنديد في النزال، شجاع في الحرب، قوي البأس، لا يبالي بالموت ولا يهابه، حتى أقرّ بشجاعته وبسالته النادرة القريب والبعيد، والصديق والعدو، وقد أصبح محل إعجاب وفخر لكل الأجيال والأحرار في العالم طول التاريخ.

[1]  المكثور: المغلوب، وهو الذي تكاثر عليه الناس فقهروه «النهاية: ج 4 ص 153 «كثر»».



[2]  الإرشاد: ج 2 ص 111، إعلام الورى: ج 1 ص 468، روضة الواعظين: ص 208.



[3]  الملهوف: ص 170 - 171، مثير الأحزان: ص 72، بحار الأنوار: ج 45 ص 50، شرح الأخبار: ج 3 ص 163 ح 1091.



[4]  حَرِبَ الرَّجُلُ: غَضِبَ وحرَّبتُهُ وأسدٌ حَرِبُ ومُحَرَّبٌ شُبِّهَ بِمَن أصابَهُ الحَرَبُ في شدّة غضبه «تاج العروس: ج 1 ص 412 «حرب»».



[5]  شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 15 ص 274.



[6]  مَأْقِط: موضع القتال أو المضيق في الحرب «القاموس المحيط: ج 2 ص 349 «أقط»».



[7]  النَّزال: أن ينزل الفريقان عن إبلهما إلى خيلهما فيتضاربوا. وقد تَنازَلوا؛ أي: تَداعوا نَزالِ. وهو بمعنى المنازَلة لا بمعنى النزول إلى الأرض «تاج العروس: ج 15 ص 730 «نزل»».



[8]  كشف الغمّة: ج 2 ص 232.



[9]  نفحه بالسيف: تناوله من بعيد «الصحاح: ج 1 ص 412 «نفح»».



[10]  مطالب السؤول: ص 72؛ كشف الغمّة: ج 2 ص 232.



«[11» رَهَقاً: أي ذِلّةً وضَعفاً «مجمع البحرين: ج 2 ص 739 «رهق»».



[12]  الكَلمُ: الجُراحة «الصحاح: ج 5 ص 2023 «كلم»».



[13]  مطالب السؤول: ص 72؛ كشف الغمّة: ج 2 ص 230.



[14]  الصواعق المحرقة: ص 197.



[15]  الإرشاد: ج 2 ص 81، روضة الواعظين: ص 198، إعلام الورى: ج 1 ص 449، بحار الأنوار: ج 44 ص 378؛ تاريخ الطبري: ج 5 ص 404، أنساب الأشراف: ج 3 ص 382، الكامل في التاريخ: ج 2 ص 553، البداية والنهاية: ج 8 ص 173.



[16]  أعيان الشيعة، ج 2، ص 393.



[17]  الفُرصة: النَّهزة؛ يقال: افتَرَصَها؛ أي انتهَزَها. والعورة: هو كلّ عيب وخلل في شيء؛ يقال: أعوَرَ الفارس؛ إذا بدا فيه موضع خللٍ للضّرب «النهاية: ج 3 ص 432 «فرض» وص 319 «عور»».



[18]  أعيان الشيعة، ج 2، ص 393.



[19]  بحار الأنوار، ج 44، ص 297، رقم 2.