آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 4:07 م

انكفاء الأقليات على ذواتهم يفقدهم محاصصة المكاسب

أديب أبو المكارم *

تنتشر ثقافة عند الأقليات، بمختلف أشكلها دينية أو عرقية أو قومية، تدعو للعزلة والانكفاء على الذات. وهي ثقافة مغلوطة نشأت جراء معاناة من التهميش والإقصاء، وما فرضته السياسة في بعض حالاتها.

فالجاليات المسلمة في بلاد الغرب عادة تتخذ العزلة ولا تندمج مع المجتمع الذي تعيش فيه، في الوقت الذي تشجع البيئة التي هم فيها على الانفتاح والاندماج وتلغي كثيرًا من الحواجز.

وقد رأينا المكاسب التي حققها من مارس الاندماج بالوصول إلى مواقع قيادية. لكن الغالبية ينصرفون إلى الاهتمام بالشعائر الدينية وحسب، موفوتين بذلك فرص التأثير لصالح قضاياهم ودينهم.

يشير إلى ذلك الشيخ حسن الصفار في محاضرته «الانبساط والانطواء».

مؤكدًا بأن اليهود وهم أقليات إلا أنهم يندمجون في المجتمعات التي يعيشون فيها ويشكلون لوبيات ويكون لهم تأثير على مراكز اتخاذ القرار.

والأقليات المذهبية في بلاد المسلمين كالشيعة يمارسون في أغلب حالاتهم الانكفاء على الذات والعزلة. إما خوفًا على هويتهم الدينية، أو بسبب الإقصاء وممارسة التهميش ضدهم. لكن الاستسلام لحواجز العزلة يفقدهم من تحقيق كثير من المكاسب.

المرجع الشيرازي الراحل كان يشير إلى أن شيعة العراق في العهد الملكي اهتموا بخصوصياتهم المذهبية بعيدًا عن المنجزات السياسية والتقدمية بينما استفاد أهل السنة من هذا الفراغ. وينقل عن المفكر علي الوردي: الشيعة لهم اللطم والسنة لهم الحكم!

من يقرأ تاريخ الأئمة يرى أنهم كانوا يشجعون شيعتهم على التداخل مع بقية المسلمين. لكن الثقافة الانتقائية التي يتخذها البعض تميل إلى الأخذ بمرويات معينة مخلفة تلك التي تدعو للاندماج والانفتاح.

سياسة المنطقة كما في رؤيا 2020 للملكة تتوجه للتخفف من التزمت الديني وهذا يدعو للتوسع في الاندماج والتداخل.

لقد سادت في أوساط المسلمين ثقافة العزلة والابتعاد عن مخالطة الناس تطهيرًا للذات وعدم الانشغال عن الله تعالى، وأُلفت في ذلك كتبًا. بينما القرآن الكريم يدعوا للتعارف ولا يمانع مخالطة غير المؤمنين إلا في الوقت الذي يخوضون في أحاديث الكفر: «وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره».

على الإنسان أن يعزز في نفسه الشخصية المنبسطة التي تنفتح على الآخرين وتهتم بتكوين العلاقات. فذلك يثري المشاعر الإنسانية، ويقوي مهارات التواصل الاجتماعي، ويزيد في الوعي والفكر بالاطلاع على تجارب الآخرين وتبادل الرأي معهم، وتصحيح الأفكار. ولا تخلو الآخرة من نصيب كما في الحديث: «استكثروا من الأخوان فإن لكل مؤمن شفاعة يوم القيامة».

والانفتاح لا يعني الانتقاء. فالبعض يبحث عمن يكونون على شاكلته وينأى عمن يختلفون معه، وهذا لا يحقق له تبادل الآراء وتصحيح الأفكار، ولا يساعد على تقبل العمل الجمعي. لأنه سيواجه فيه من يختلفون معه، وهو لا يمتلك المرونة لتقبل الاختلاف في وجهات النظر.

العوامية