آل السيد خليفة في البصرة والنجف
آل السيد خليفة في البصرة والنجف
عادل السيد حسن الحسين
7 محرم 1441 هـ
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، وسلام على عباده الذين اصطفى.
أما بعد،
الحديث عن السيد خليفة بن السيد علي الموسوي الأحسائي القاري البحراني البصري النجفي، حقيقة هو حديث ذو شجون لمكانته العلمية المرموقة في زمانه، ولعظم الخدمات التي قدمها في سبيل إحياء تراث أهل البيت .
سوف أتناول في هذه الورقة ثلاثة محاور. أولا: سيرة آل السيد خليفة: سيرته وسيرة أبنائه وأحفاده؛ ثانيا: مكتبة السيد خليفة ودورها ومكانتها في الوسط الشيعي؛ ثالثا: حسينية آل السيد خليفة في البصرة ودورها في خدمة المجتمع.
هي أسرة علمية عريقة تنسب إلى السيد خليفة بن السيد علي الموسوي الأحسائي القاري البحراني البصري النجفي المتوفى سنة 1279 هـ ، هاجرت من الأحساء في القرن الثالث عشر الهجري واستوطنت النجف الأشرف والبصرة من العراق. قال الشيخ آغا بزرك الطهراني: ”«آل خليفة» من الأسر العلوية الشريفة والبيوت العلمية الرفيعة، أصلهم من «الأحساء» بالبحرين، هاجر بعض أجدادهم إلى «النجف الأشرف» وبلغ بعضهم الدرجات العالية من العلم والفضل والتقى، وسكن بعضهم «البصرة» مراجع للناس ومرشدين هداة، ولأفرادها في البصرة مكانة مرموقة ومحل رفيع …“. أما نسبهم الشريف فكما ورد في الأسر العلمية والأدبية في الأحساء ينتهي إلى السيد أحمد بن محمد الموسوي المدني وهو جد لكثير من الأسر العلوية في الخليج والعراق[1] .
ومن أبرز أعلامهم في النجف والبصرة، هم:
1 - السيد خليفة بن علي بن أحمد بن محمد بن علي بن محمد بن أبي طالب حاجي بن عبد النبي بن علي بن عبد النبي بن علي بن أحمد المدني بن محمد بن موسى بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن جعفر بن أحمد بن محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن أحمد بن موسى بن حسين بن إبراهيم بن حسن بن أحمد بن أبي يحيى محمد بن أحمد الزاهد بن إبراهيم المجاب بن محمد العابد بن الإمام موسى الكاظم [2] .
كان عالمًا جليلًا من مشاهير عصره، ولد في القارة من قرى الأحساء، وانتقل إلى العراق ودرس على السيد علي الطباطبائي صاحب الرياض، واختصر شرح أستاذه الصغير وفرغ منه سنة 1228 هـ، وله أيضًا رسائل في أصول الدين والتجويد[3] . توفي في النجف عام 1279 هـ ودفن فيها.
وقد برز في الساحة الأحسائية بعض المهتمين بجمع واقتناء الكتب، حدًا يتجاوز مجرد مكتبة شخصية للاستفادة الخاصة من أجل القراءة، وإنما درجة الشغف بكل ما هو نادر ومخطوط، إما عن طريق الشراء أو النسخ والكتابة، وقد لمع في هذا المجال السيد خليفة الذي كون مكتبة كبيرة وغاية في الأهمية، وكانت نسبة كبيرة من مقتنياتها هي من نسخ يده[4] .
2 - السيد محمد بن السيد خليفة بن علي الموسوي الأحسائي القاري، عالم جليل، شغل منصب الوكيل الديني في مدينة البصرة. من مؤلفاته: شرح بحث الاستثناء من شرح بدر الدين بن مالك على ألفيّة أبيه، توفي في الكاظمية سنة 1281 هـ. تُرجم له في طبقات أعلام الشيعة[5] .
3 - السيد باقر ابن السيد خليفة الموسوي الأحسائي، عالم فاضل، شغل منصب الوكيل الديني في البصرة، وتوفي بعد سنة 1294 هـ. تُرجم له في طبقات أعلام الشيعة[6] .
4 - السيد محمد علي بن محمد بن خليفة الأحسائي، كان عالمًا فاضلًا، ووكيلًا دينيًا في مدينة البصرة، وفيها توفي سنة 1305 هـ، ودفن في النجف، من مؤلفاته: حاشية تهذيب المنطق، وتقريرات لدروس بعض أساتذته. ترجم له في طبقات أعلام الشيعة[7] .
5 - السيد عبدالله بن محمد علي بن محمد بن خليفة الأحسائي، كان عالمًا جليلًا ووكيلًا دينيًا في مدينة البصرة. حضر في النجف درس الشيخ محمد كاظم الخراساني والسيد محمد كاظم اليزدي والشيخ علي الجواهري. توفي سنة 1374 هـ، ودفن في النجف. ترجم له في طبقات أعلام الشيعة[8] .
قال حفيده السيد حسن بن السيد كاظم متحدثا عن جده السيد عبد الله: كان عَلما من أعلامنا الكبار؛ فهو من يُعرف ب «أديب الفقهاء وفقيه الأدباء»، خازن التراث، وعاشق الكتاب ونفائس المخطوطات، وأحد الرموز التأسيسية في تشكيل البلد وبنائه، وفي إرساء قواعده وبُناه فقهًا وقانونًا وثقافةً وفكرًا وأدبًا وإصلاحًا.
تأسست هذه المكتبة القيمة على يد الفقيه المتتبع السيد خليفة بن السيد علي بن السيد أحمد الأحسائي القاري في النجف الأشرف التي اتخذها مقراً له، فكانت من أنفَس المكتبات الخاصة في مدينة النجف لما حوت من كتب قيمة بذل المؤسس الغالي والنفيس في جمعها وتكوينها، وكانت له عدة طرق في جمعها: الشراء والنسخ والإيقاف. وتعتبر من أبرز المكتبات الأحسائية التي تكونت في خارج الأحساء، بل وأكثرها شهرة، استفاد منها الشيخ الطهراني في موسوعتيه «الذريعة» و«الطبقات»، وعدها من أهم مصادره، كانت في النجف الأشرف حيث الحركة العلمية مزدهرة، والكتاب له رواج ووجود، وقد استطاع السيد خليفة مؤسس المكتبة أن يتفوق، وينافس خلال حقبة قصيرة كبرى المكتبات هناك، لولا افتقارها للرعاية الجيدة لأصبحت اليوم من كبريات المكتبات في النجف الأشرف.
وقد بذل أولاده وأحفاده جهدا كبيرا في هذا المجال، وكانوا من الأعلام والفقهاء الذين كان لهم دور كبير في الإضافة على المكتبة متبعين نهج المؤسس في النسخ والشراء والإهداء لتوسعة وتطوير المكتبة حتى بلغت المكانة المرموقة بين المكتبات في النجف الأشرف، ومحل استفادة للجميع[9] .
أسس السيد خليفة في البصرة القديمة بمحلة «أبو الحسن» حسينيته العريقة وتعتبر من أوائل الحسينيات في البصرة. وقد أولاها عناية خاصة لما للحسينية من دور كبير في تثقيف وتوعية أفراد المجتمع. وقد اعتنى بهذه الحسينية أولاد الفقيه المؤسس وأحفاده السادة العلماء وهي لصيقة بدارة الفقيه السيد عبدالله الخليفة حاليا.
تجمع حسينية السادة العلماء من آل السيد خليفة الكائنة بالبصرة القديمة بين محلتين «أبو الحسن» و«الخليلية - جسر العبيد» حيث تشرع أبوابها، كل باب على محلة، والباب الثالث في جوف دارة السيد عبدالله الخليفة التراثية العريقة، عراقة العلماء الأدباء المبدعين الذين سكنوها وأودعوها أغنى مكتبة مخطوطات في تاريخ البصرة والعراق والمنطقة والتي تعرف في المصادر بمكتبة السيد خليفة.
تلك هي الحسينية «المنتدى التربوي الفكري والثقافي الأدبي الحضاري» الذي تجاوز دوره المحلة، والبصرة، بل والعراق فكانت مجمعًا للمؤمنين والعلماء والأدباء الوافدين من الأحساء والقطيف والبحرين وعمان وعموم الخليج والعراق وما جاورهما.
وقد قابلت مؤخرا الأخ والصديق العزيز سماحة السيد حسن بن السيد كاظم الخليفة في البصرة «الذي أعرفه لأكثر من 30 سنة» ووجدته شعلة من النشاط والحماس الديني والاجتماعي من خلال مشاركاته في الندوات والمؤتمرات واعتكافه على التأليف وكتابة المقالات.
بالإضافة إلى عمله الدؤوب بجد واجتهاد من أجل إعادة إحياء هذا الصرح الحسيني البصري الأحسائي البحراني العريق الذي يعد من أهم معالم البصرة بقيمته التراثية الدينية والتاريخية الجامعة بين كل تلك البلدان وتاريخها.
أسأل الله سبحانه وتعالى بحق محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين أن يوفقه ويسدد خطاه لإحياء هذا الصرح الحسيني الكبير بشقيه الحسينية والمكتبة، إنه سميع الدعاء قريب مجيب.
قصيدة شعرية في السيد خليفة الموسوي الأحسائي:
عِلْمٌ أَعَــزَّ بِــهِ الإِيمَـانُ صَــاحِبَــهُ
وَعَـــزَّ كَاتِـــبُ نُـورِ العِلْــمِ كَاتِبَـهُ
فَكُـــلُّ عِلْـــمٍ لَـــهُ عِلْـــمٌ يُطَارِحُـهُ
وَكُـــلُّ فِكْــــرٍ لَــــهُ فِكْــــرٌ يُرَاقِبُهُ
يَــوْمٌ مِـنَ العِلْمِ مَحْمُـودٌ فَوَاضِــلُهُ
إلَـــى القِيَـــامِ وَمَذْكُـورٌ مَكَاسِـــبُهُ
كَــانَ (الخَلِيفَـةُ) مُزْدَانًــا فَضَائِلُــهُ
جَمْــــرًا مَوَاقِدُهُ بِيضًــــا مَنَاقِبُــــهُ
مُؤَيَّــدًا يَتَسَــامَى العِلْــمُ جَوْهَـــرُهُ
فَلَيْـــسَ يَلْقَـــاهُ إلَّا وَهْــوَ رَاغِبُـــهُ
حَمَيْـتَ يَــا سَــيِّدَ الإِيمَانِ حَوْزَتَــهُ
بِنَاسِخِ الكُتْـبِ حَتَّــى عَــزَّ جَانِبُــهُ
رَفَعْــتَ بِالقَلَـمِ العِلْـمَ الَّـذِي نَزَلَـتْ
مِنْـهُ الشَّــوَاهِـدُ حَتَّــى دَامَ صَاحِبُهُ
لِلَّـــهِ دَرُّكَ مِنْ مُسْـــتَنْسِـــخٍ دُرَرًا
حَفِظْــتَ فِيهَـا جَمَالًـا جَــلَّ وَاهِبُـهُ
يَــا عَالِـمَ الدِّيـنِ لَمَّـا عَــزَّ عَالِمُــهُ
وَكَاتِـــبَ العِلْــمِ لَمَّـــا زَادَ طَالِبُـــهُ
تَرَكْـتَ يَـا سَـيِّدَ الأَحْسَــاءِ تُرْبَتَهَـا
إِلَـى الغَــرِيِّ الَّتِي أَذْكَتْ مَوَاهِبَــهُ
وَرُحْتَ لِلْبَصْرَةِ الفَيْحَاءِ شِدْتَ بِهَا
صَرْحَ الحُسَيْنِ الَّذِي فَاحَتْ أَطَايِبُهُ
فَكُنْــتَ لِلْعِلْـمِ فِيهَــا خَيْــرَ مُنْتَهِــلٍ
وَقَـدْ رَعَيْـتَ رِحَـابَ العِلْمِ خَاطِبَـهُ
بُورِكْــتَ مِنْ عَالِــمٍ فَــذِّ لَــهُ نَهَــرٌ
مِـــنَ المِدَادِ وَقَـــدْ جَـادَتْ مَآدِبُـــهُ