الحسين... شخصية جاذبة
عن الإمام جعفر بن محمد «عليهما السلام»، قال: نظر النبي ﷺ إلى الحسين بن علي «عليهما السلام» وهو مقبل، فأجلسه في حجره وقال: إن لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبدا، ثم قال بأبي قتيل كل عبرة، قيل: وما قتيل كل عبرة يا بن رسول الله؟ قال: لا يذكره مؤمن إلا بكى «1».
عندما نتأمل في شخصية الإمام الحسين نجد أنها شخصية تمتلك كفاءات وصفات قادرة على إحداث زلزال عظيم في كيان البشرية منذ يوم عاشوراء وحتى يومنا هذا.
فالإمام الحسين يمتلك قوة جذب تغييرية هائلة وقد أثّرت شخصيته الجذّابة على العبيد، وعلى النساء، بل حتى الأعداء.
فكل من التقى بالحسين أو تحدث معه، أو سمع كلماته نجده قد تغير وانقلب كيانه إلى الأفضل ذلك لأن «محبّته مكنونة في بواطن المؤمنين».
فهذا زهير بن القين كان لا يرغب بلقاء الإمام الحسين ولكن التوفيق والعاقبة الحسنة قادته لنيل شرف الشهادة مع الحسين، فعندما التقى به الإمام الحسين وتحدث معه وأخبره بعاقبته والشهادة التي تنتظره وإذا بهذه الكلمات تحدث انعطافة في فكره وتقوده إلى ركب الشهادة.
وذاك الحر بن يزيد الرياحي يتأثر بالحسين وكلماته وموقفه يوم عاشوراء وبدأ يفكر في مصيره حتى اهتدى بالحسين فأعلنها توبة والتحق بالحسين ليستشهد بين يديه.
وغيرهما كثير.....
ولم تتوقف جاذبية الحسين حتى بعد أن اختفى جسدًا، فقد تألق روحًا، وفكرًا، ورمزًا لكل طالب حق في العالم، وألقى الله في قلوب الناس - أعداء ومحبين - حبه.
وبسبب جاذبية الحسين فقد استبصر العديد من المفكرين منهم الكاتب والصحفي ادريس الحسيني وألف كتابه الشهير لقد شيعني الحسين «الانتقال الصعب في رحاب المعتقد والمذهب»
وجاذبية الحسين هي التي دفعت الدكتور والمفكر المسيحي أنطون بارا لتأليف كتاب الشهير «الحسين في الفكر المسيحي» يقول في كتابه:
لقد كانت «كربلاء» هزّة، وأيّة هزّة..! زلزلت أركانَ الأمّة مِن أقصاها إلى أدناها، ففتّحت العيون، وأيقظت الضمائرَ على ما لسطوةِ الإفك والشرّ من اقتدار...
قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا﴾ مريم آية 96.
الإمام الحسين كان مرتبطًا بالله تعالى في الشدة والرخاء، وكان شحنة إيمانية لا يمكن أن تضعفها الابتلاءات والمحن، فهو منطلق من الله وإلى الله، متوكل على الله، مسلمًا أمره إلى الله تسليمًا وهو القائل يوم عاشوراء عندما سقط عن فرسه: ”اللهم رضا بقضائك، وتسليمًا لأمرك، يا غياث المستغيثين“.
هكذا هو الشخص المتصل بالله والمتعلق بالله إذا رآه أحدهم فإنه بلا شك سيتأثر به أيما تأثير.
لم يكن خروج الإمام الحسين خروجًا لطلب سلطة أو مكانة أو رئاسة وهو القائل:
”اللهم إنّك تعلم أنّه لم يكن ما كان منّا تنافساً في سلطان ولا التماساً من فضول الحطام ولكن لنري المعالم من دينك ونظهر الإصلاح في بلادك ويأمن المظلومون من عبادك ويُعمل بفرائضك وسننك وأحكامك“ «2».
إن الإمام الحسين خرج من التفكير الشخصي المصلحي إلى التفكير بالآخرين وما يحتاجونه. ومن يحمل هكذا تفكير فإنه سيكون جاذبًا للآخرين.
يقول الإمام الحسين : وأني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي ﷺ أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن ابي طالب «3».
عندما يحمل الإنسان أهدافًا عليا وتطلعات لا محدودة وعندما يكون الإصلاح
إصلاحًا شاملًا... إصلاح التطلع «في أمة جدي»
عندما لا يرافق الإصلاح أية عملية إفساد للعباد والبلاد.
عندما يكون الاصلاح إصلاحًا جذريًا
هنا تكمن قوة الجاذبية ويكمن التأثير في الآخرين...
فهو الذي رفع شِعار الكرامة الإنسانية، ورسم طريق الشرَف والعِزّة، عندما نادى بتلك الكلمات: ”هيهات منا الذلة“
فقد علّم أبو الأحرار الناسَ نُبل الإباء ونبل التضحية، ويقول فيه مصعب ابن الزبير: واختار الميتة الكريمة على الحياة الذميمة «4».
ومن تكون هذه صفاته فإنه بلا شك سيكون جاذبًا لمن حوله.
لنتعلم من الحسين كيف ننمي في ذاتنا صفة الجاذبية، وقوة التأثير في الآخرين، لنكن جاذبين مؤثرين أينما كنا.