نكتفي بهذا الهدر
تنبأ المفكر مصطفى حجازي قبل أكثر من عشر سنوات بظاهرة الهدر للإنسان العربي، ووصفها بالكارثة الوجودية، وقد تصل إلى حد المرض الكياني، وأن لكل إنسان في عالمنا نصيبه من الهدر الذي يتنوع في الشكل والمقدار، مما يعرقل مشروعات بناء حياة ذات جودة.
الطريف أنه وحين إجراء تلك الدراسة بعنوان الإنسان المهدور، يأتي الرد بشكل متكرر «آه هذا أنا» تصاحبها ابتسامة، إذن لكل منا نصيبه من الهدر، وبما أن كل أمة يتوقف مصيرها على شبابها، كما قال «غوته» وبما أن تلك الفئة تقارب ثلثي تعداد سكان السعودية، حسب الهيئة العامة للإحصاء، دعونا نسلط الضوء على هدر الوعي والطاقات لديهم، خصوصا أنهم أكثر عينة استقطابًا للأزمات والتعرض للتحديات والاستهداف من قبل الانفتاح الإعلامي وقواعد المعلومات وأسواق الاستهلاك، وكأنهم وضعوا في «خلاط» معًا حيث الأحداث المتسارعة.
في سياق مقابل، لا يمكننا أن ننكر حسنات قواعد المعلومات والإعلام الفضائي الذي وفر فرصًا حقيقية لما سماه «حجازي»: «الذكاء الجماعي»، وهو المشاركة في قضايا الكون وبناء رأي عالمي يساند القضايا العادلة.
كما صنف «حجازي» فئات الشباب إلى أربع فئات وحسب تصنيفه هي:
- الفئة المترفة والتي ربيت على التراخي مع إغداق في المال
- الفئة المنغرسة وتمثل جيل النخبة من الشباب وتحظى برعاية أسرية عالية، وهي الفئة التي حظيت بفرصة «هوية نجاح» وهي القلة الوحيدة التي تفلت من الهدر اجتماعيًا ومدرسيًا ومهنيًا.
- الفئة الطامحة إلى الارتقاء الاجتماعي والحياتي وتكون الدراسة لهم هي الأمل إلى وضع مهني واجتماعي لائق وفرصهم لا تهدر فقط في خط الوصول وبعد التخرج بل هي تهدر على الأغلب منذ خط البداية.
- الفئة الأخيرة والشريحة الأكبر هي فئة «شباب الظل» أي الشباب المستغنى عنه أو المنسي كما سماها «حجازي» تمثل الشباب المهمش الذي لم يأخذ فرصه الفعلية في الدور والمكانة والإعداد للمستقبل.
ماذا لو استبدلنا «علوم الفاشنستا» الرائجة هذه الأيام ب «علم الشباب» الذي دعا له المفكر حجازي، وهو علم توضح فيه سياسات شبابية على الصعيد المجتمعي في التربية والعمل والمشاركة الاجتماعية والانتماء، فبدل من إلهاء الشباب بمختلف أنواع التسلية والإثارة ومن ثم اتهامهم بالميوعة وعدم الجدية وقلة تحمل المسؤولية.
وهذا الملف يتطلب معالجة منهجية متماسكة، ويبدو أن الأمير الشاب محمد بن سلمان - حفظه الله - بدأ فعليًا حين صرح أن نسبة الشباب تشكل نسبة كبيرة في السعودية، وقال: الشباب هم الطاقة الحقيقية، وهي أهم ميزة، الباقي فقط أن نضع رؤية ونسعى لتحقيقها.
من جانب آخر كان لولي العهد مبادرة في تأسيس مؤسسة مسك الخيرية، وهي مؤسسة غير ربحية أسسها للتشجيع على التعلم وتنمية المهارات القيادية لدى الشباب، من أجل مستقبل أفضل في السعودية، مدركا أنه «إن لم يشترك الشباب في صنع الحياة فهنالك آخرون سوف يجبرونهم على الحياة التي يصنعونها».