مقهى قلعة تاروت الشعبي
قبل الكلام في موضوع المقهى الشعبي، حري بنا أن نسلط الضوء قليلا على تاريخية المكان.
قلعة تاروت تتمركز فوق تل صخري وترابي رفيع - يعد أعلى منطقة مرتفعة في مناطق القطيف - وقد عثر فيه أي التل على آثار قديمة جدا تشير إلى معبد الملكة آلهة الفينيقيين عشتار أو عشتاروت.
كما تظهر صخور وأسس المعبد القديم واضحة تحت القلعة، ما يوحي بأن القلعة شيدت على أنقاض ومدافن ذلك المعبد أو الهيكل الذي يعود تاريخه للعصر الفينيقي قبل خمسة آلاف سنة قبل الميلاد.
سؤال.. من هو الباني الأول لقلعة تاروت وأختارها لتكن فوق تل مرتفع؟
هناك ثلاثة آراء..
الأول: يرجح بناءها بواسطة البرتغاليين إبان إحتلالهم القطيف في الفترة بين 1521 - 1525 لتحميهم من هجمات العثمانيين.
الثاني: يرجع وجودها إلى زمن القرامطة.
الثالث: يرى بأن تاريخ بناء القلعة يعود إلى عهد الدولة العيونية قبل ألف سنة وأن التسمية الصحيحة يجب أن تكون ”القلعة العيونية“ لا ”القلعة البرتغالية“ كما وردت خطأ في السجلات التراثية الغربية وغيرها.!
على إعتبار أن العيونيين هم من بنوا والبرتغاليين من رمموا فقط أي بعد مرور 500 عام من بناءها على يد العيونيين.
وهذا الرأي عليه غالبية الباحثين في مجال التاريخ والتراث لذا يبدو هو الأرجح والله أعلم.
الآن نعود لمحور حديثنا حول ”القهوة“ أو ”المقهى“ لنسلط الضوء على جنباته الحيوية وما يهم الزائرين والسائحين.
المقهى الشعبي أنشئ مؤخرا بجوار قلعة تاروت ورمزها الشهير - حمام عين تاروت - على الطريقة الشعبية والتراثية ويقع في الطرف الغربي الجنوبي من بلدة الديرة في جزيرة تاروت الأثرية بمساحة لا تتجاوز 4 أمتار مربع.
وتم تجهيزه بمعدات بسيطة بالطريقة التقليدية القديمة، مسقوف بالجندل والجدوع وسعف النخيل ورغم ضيق المقهى الذي لا يتسع إلا لخمس طاولات متلاصقة فقط لكن تجد رواده في إزدياد مطرد، خاصة عند المساء وبالكاد تحصل على إحدى الطاولات خالية.
يقدم المقهى لزوار موقع البلدة القديمة والقلعة.. بالإضافة للشاي والقهوة.. أيضا يقدم السويا والعصيدة والعدس والفول والكبدة صباحا وتجد في المساء التكة المشوية والكباب والباجه والمكرونة مع الخبز الأصفر وخبز التنور الأبيض ووجبات شعبية أخرى.
يقول مشرف المقهى الأخ محمد الصفار «إن هدفنا منه ليس تجاريا بل الهدف عكس روح التراث وطريقة الحياة القديمة في المنطقة»
تشكيلة عمرية من الزائرين صغارا وكبارا وشيبة، عندما أطلوا لأول مرة، جدبهم المكان إلى أجواءه الأثيرة فوجدوا فيه ملاذا لراحتهم وكسرا لروتينهم الممل بعيدا عن مشاغل الحياة اليومية الضاغطة.
حيث الأجواء التي تحاكي التراث وتستحضر تاريخ الأجداد والحضارات التي مرت وتركت بصمتها تحكي عن نفسها في المكان، وحيث مايوحي أيضا بإيام الصبا الجميلة العابقة بأريج الماضي العريق.
وقد أضاف الأخ ”راعي المقهى“ بأريحيته اللافتة كثيرا من الجادبية والإنسجام مع مرتادي هذا المقهى.
ماساهم في زيادة نسبة الزائرين إلى هذا المقهى الجميل، إستجابة للطف ومشاعر الإرتياح التي زرعها ”راعي المقهى“ في نفوس زبائنه، حتى بات كل شيء في المكان يبدوا شيقا ولذيذا.
وتجادب أحاديث الزبائن الزملاء الدافئة لبعضهم بعض والسؤال عن الأحوال والأخبار في لحظات يكون فيها حضور الشاي التلقيمة والقهوة المرة وشربة الليمون ركن أساسي في الجلسة لما يتركه من أثر مريح، لا يروق اللقاء ولا تحصل الراحة هناك خاصة إلا باحتساء القهوة أو الشاي وأنت ترى بعض جيل الشباب يكب شيء من الشاي في طبق الإستكانة ليجعلها تبرد ثم يشربها محاكاة لطقس الأجداد تحت إيقاع رنين الإستكانات والملاعق وروائح القهوة العبقة بالبهار النافدة للأنوف التي تهوى الكيف وتقتنص لحظاته القيمة.
ماجعل الزبائن يتقاطرون من مسافات بعيدة، اقتناصا للراحة وفرصة للقاء وتجديدا للنفس من جوها الرتيب.