وقود الاصلاح الحسيني «11»
سعد بن الحرث الأنصاري
قال تعالى: «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ» 207 آل عمران.
وقال: «فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِر» 23 الحشر.
وقال الامام الحسين : «فإنّي لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي، ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي» «03»
مثّلت كربلاء ساحة التغيير والانقلاب، إذ نرى في أصحاب الإمام الحسين وأنصاره بعض الشخصيّات والوجوه التي تغيّر حالها وتبدّلت وجهتها، فانقلبوا من الذلّة إلى العزّة، وشكّل هؤلاء عنوان: ”الملتحقون“. إنّ مسير التحوّل لبعض الكوفيّين إلى معسكره في كربلاء، استمرّ حتّى ظهر اليوم العاشر من المحرّم. فالبعض منهم التحق به بعد أن ردّ ابن سعد طلبه، وبعد تصميم الكوفيون على الحرب والقتال. والتحق به آخرون في ظلمة ليل عاشوراء.
والتحقت به جماعة كبيرة بعد التحاق الحرّ بن يزيد. وعلى حدّ قول ابن طاووس: فإنّ اثنين وثلاثين رجلاً من جيش ابن سعد التحقوا به . ويؤكّد الأندلسيّ ذلك بقوله: إنّ ثلاثين رجلاً من جيش ابن سعد التحقوا بالإمام في يوم عاشوراء. إلّا أنّ ما يمكن الاستناد إليه، هو أنّ أوج التغيير والتحوّل قد تمّ في ليلة العاشر من المحرّم، حيث إنّ الرجل والرجلين من جيش ابن سعد كانوا يتسلّلون في ظلمة الليل. واستمرّ هذا الأمر حتّى يوم عاشوراء، وكما يقول السماويّ: فإنّ عددهم وصل إلى ثلاثين رجلاً. «05»
وبين أيدينا الجوهرة الحادي عشرة من خرزات هذه السلسلة، وهي جوهرة التحقت بركب شهداء الإصلاح الحسيني في كربلاء، رغم إنها جاءت في ركب جيش ابن سعد لمحاربة الإمام الحسين ، وهذه الجوهرة هي:
الاسم: سعد بن الحرث بن سلمة الأنصاري
استشهاده: يوم عاشوراء سنة 61 هـ
المدفن: كربلاء
سبب الشهرة: استشهاده في كربلاء
أعمال بارزة: الانفصال عن معسكر عمر بن سعد «01»
سعد بن الحرث أو الحارث بن سلمة الأنصاري العجلاني الكوفي، وبني عجل بطن من الخزرج. وورد أنّه وأخاه أبا الحتوف كانا من خوارج النهروان. «01» وجاء في انهما كانا من المحكمة. «02»
خرج في معسكر عمر بن سعد من الكوفة نحو كربلاء لقتال الإمام الحسين ، لكنه عندما سمع استنصار الإمام يوم عاشوراء، انفصل عن معسكر بن سعد، والتحق بالإمام ، وقاتل حتى قُتل. «01»
كان هنالك مَن غُرِّر به أو أُوهم، فانحاز إلى جيش عمر بن سعد، وجرفه التيّار مع أهل الكوفة الذين جنّدهم عبيدُالله بن زياد لقتال الإمام الحسين عليه السّلام، فانساقوا في البَدْء، ثمّ ما لَبِثوا أن صَحَتْ ضمائرهم، بعد أن رأوا الحقَّ ساطعاً يُشرق مِن وجه ابن رسول الله ﷺ، وسمع نداءَ الحقّ بأُذُنَيه، بل ووعى استغاثة سيّد الشهداء عليه السّلام يدعو إلى حفظ ذمام الرسالة، ونُصرة الإسلام، وصَوْن حريم البيت النبويّ الشريف. وكان هناك رجلان أنصاريّان من أهل الكوفة، ومِن المُحكِّمة، قد خرجا مع مَن خرج مع عمر بن سعد من الكوفة لقتال الإمام الحسين عليه السّلام.. هما: سعد وأبو الحُتوف ابنا الحرث الأنصاريّ العَجْلانيّ. «06»
ولما كان اليوم العاشر، وبعد أن قتل أصحاب الحسين ، وجعل الإمام ينادي ”ألا ناصر فينصرنا“، فسمعته النساء والأطفال، فتصارخن. وسمع سعد وأخوه أبو الحتوف النداء من الحسين والصراخ من عياله فقالا: إنّا نقول لا حكم إلاّ لله، ولا طاعة لمن عصاه، وهذا الحسين ابن بنت نبينا محمد ﷺ ونحن نرجو شفاعة جده يوم القيامة، فكيف نقاتله وهو بهذا الحال لا ناصر له ولا معين؟! فمالا بسيفهما على أعدائه، وجعلا يقاتلان قريباً منه حتى قتلا جمعاً، وجرحا آخر، ثم قتلا معا في مكان واحد. «01»
وفيما يتعلق برأي أنّه من الخوارج، يعتقد المحقق التستري مشككاً في هذا الأمر، ويقول: ليس هناك سند لهذا القول، ثم خروج الخارجي مع ابن سعد غير معقول، فكانت الخوارج لا يعاونون الجبابرة في قتال الكفار، فكيف في حربه ؟ ثمّ كيف ينصر الحسين من يقول: لا حكم إلاّ لله، ويعلم أنّ الحسين مثل أبيه يجوّز التحكيم بكتاب الله؟ وبالجملة: هذا أيضاً أصله وفرعه غير معلوم. «01»
وهكذا نالَ سعدُ بن الحَرث الأنصاريّ العجلانيّ وأخوه أبو الحُتوف سعادة الأبد، حين اندفعا بقوّةٍ وغَيرةٍ نحو عسكر ابن فاطمة الزهراء عليها السّلام ينصرانه، ويَحميان حريمه المقدَّس، ويدافعان عن الإمام، ويضحيّان بروحَيَهما في سبيل الله تبارك وتعالى. «06»
فسلامٌ من الله جَلّ وعلا عليهما، وسلامٌ من الإمام المهديّ صلوات الله عليه عليهما حيث يقول:
«السلام عليكم يا خيرَ أنصار، السلام عليكم بما صَبَرتم فنِعمَ عُقبى الدار، بَوّأكم اللهُ مُبَوَّأَ الأبرار». «06»
وتنتهي حلقتنا هذه بانتقال سعد وأخوه أبو الحتوف من معسكر الظلام والظلال، وانقاذ نفسيهما من نار سعرها جبارها لغضبه، والتحاقهما بركب الشهداء، إلى جنة عرضها السموات والارض، خلقها ربها لرحمته.