طاقتك المستنزفة إلى أين؟
داخل كل منا ما يشبه المترجم الذي يلعب دورا مركزيا في تحويل كل ما نسمع ونرى إلى أفكار، نسترشد بها على معرفة ما يدور حولنا من أمور. في المحصلة، نحن كبشر كوننا نؤثر ونتأثر، نوظف ما خرجنا به من استدلالات في اتخاذ معظم قراراتنا، وبها أيضا نبني الكثير من رؤانا وانطباعاتنا عن الناس وما يحملونه من قناعات.
المترجم هذا ليس بالضرورة تلك الأداة الموثوق بها، كونها لا تمتلك الاستقلالية في تحاليلها، وأنها تتأثر سلبًا وإيجابا بالكثير من المؤثرات النفسية والبيئية والمشاعر الغير صادقة والتي قد لا تعكس الحقيقة كما هي. ولأن المرتكزات العلمية التي يتكئ عليها الفرد لا تتعدى رواسب الماضي المبنية على براهين ضعيفة، مصدرها القيل والقال، فإن المنتج النهائي لعملية الترجمة هذه، قد لا يُبنى عليها، وإن أخذ بها فإنها قد تصيب حينا وتخطئ أحيانا أخرى.
كونك مخلوق اجتماعي فأنت لا تعيش العزلة، بل تتفاعل مع الآخرين وتنصت لما يقولون، إما منفردا تسمع حديثا لشخص ما، أو تقرأ مقالة لكاتب تجمعك به صُحبة أو قرابة، أو ضمن حشد من الناس يستمعون لخَطيب في مناسبة اجتماعية. هناك أمران يمكن حدوثهما عند تفاعلك مع الآخرين، إما أن تعتقد بأن الموضوع المطروح، عام وشامل والمراد منه توجيه المجتمع أو تحذيره من أمر ما، أو أن تميل في اعتقادك بأن ما يُقال أو يُكتب، يتعلق بك شخصيا.
عندما يتحدث كاتبٌ هنا أو خطيبٌ هناك، فإن الآراء التي يقدمها أي منهما، تستند إلى معتقداته ومرئياته وتجاربه التي شكلت عقليته. كيف تستمع أنت إلى ما يُقال وتفهم ما يُكتب، أمر راجع إلى نظام معتقداتك وثقافتك الخاصة بك، وخبراتك التي شكلّت عقليتك وجعلتك على ما أنت عليه الآن. ردّات فعلك والخيارات التي تتخذها، مبنية في الأساس على استنتاجاتك، وليس لها علاقة مباشرة بهذا الخطيب أو ذلك الكاتب، وإن كانت تجمعك بهم معرفة شخصية.
عندما تتوقف عن أخذ الأمور بشخصنة زائدة، فإن ذلك يمنحك شعورًا بقيمتك الذاتية ويُسهم الى حد كبير بثقتك بنفسك. عندها فقط، تتضح لديك الصورة، وتعلم حينها أن ما يقال أو يُكتب هو انعكاس لرؤية الكاتب أو الخطيب نفسه وأن كل ذلك لا علاقة له بك من قريب أو بعيد.
بيت القصيد، أخذ الأمور على محمل شخصي، عادة تستنزف الكثير من طاقتك، ومحاولة استئصالها من جذورها، مصلحة تصب في تغيير مجرى حياتك للأفضل. كُن مرنًا، صافي الذهن واعيًا، متقبلا للنقد البناء، تحمل روحًا راقية قابلةً للتّكيف، تسعد بكل ما هو جديد، دون إفراط في التحسس من جهة، أو تفريط فيما يُقال أو يُكتب من جهة أخرى.