الشخصية المبادرة
ونحن نعيش في رحاب أسبوع الولاية «يوم الغدير، يوم المباهلة، التصدق بالخاتم ونزول سورة هل أتى» بما تحتويه هذه المناسبات من إضاءات وإشراقات علمية وروحية وولائية وأخلاقية، تسهم في تعزيز حالة التدين والتكاتف بين أفراد المجتمع.
ومن بين الدروس العظيمة التي نقتبسها من هذه المناسبات درس «المبادرة» وهي صفة من صفات العظماء وقد تجلت في شخصية الإمام علي في أبهى صورها فهو الأول في: ولادته في الكعبة، في إسلامه، في الصلاة مع النبي، في كتابته للوحي، وهو أول من حمل راية الإسلام أمام رسول الله وأول مبارز في واقعة الخندق، وهو أول من عقدت له الولاية على المسلمين [1]
هذه الأولوية تقدح في فكرنا «ثقافة المبادرة والشخصية المبادرة» والمتدبر للقرآن الكريم يلحظ العناية الكبرى في تربية الفرد على خُلق المبادرة، فبالمبادرة للخير يحقق رضا الله تعالى: ﴿وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى﴾ [طه: 84]، وبالمبادرة تفتح لك أبواب الجنان: ﴿وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران: 133].
وكما قيل عن المبادرة بأنها: لفظٌ جميل، ومعنى عظيم توحي بالجديةَّ، وتشعر بالعزيمة، وتنبئ عن علوّ همة تدعو إلى الإسهام في مجالات الخير كلها. وهي أم العادات كما قال ستيفن كوفي فمن خلالها ينطلق المرء صانعا عالمه الذي يريد رؤيته ومعايشته. وهي فعل إيجابي يهدف إلى إنجاز عمل مبدع لم يسبقه إليه أحد.
يقول بيتر دروكر: المبادر هو فرد يبحث فعلا عن التغيير ويستجيب إليه، ويستغل الفرصة السانحة للتغيير.
إن شخصية المبادر تتصف بعدة صفات منها: الثقة العالية بالنفس وقدرته على تحمل المسؤولية، والنضج العقلي والوعي المعرفي، ومتابعته للتطورات في مختلف المجالات، نظرته المتفائلة وتحدي الظروف مهما كانت، ورغبته في تحقيق إنجاز العمل بصورة مبدعة متميزة.
كما أن له القدرة على اتخاذ القرار السليم في الوقت السليم، فلا يتردد حتى ترحل عنه فرص النجاح.
للإمام علي الكثير من الكلمات التي يحثنا فيها على المبادرة في عمل الخير واغتنام الفرص منها:
استثمر حياتك: يقول الإمام علي : بادِرْ شبابَك قبل هَرَمِك، وصِحّتَك قبل سَقَمِك [2] .
أعمل الآن: يقول الإمام علي : بادروا بعمل الخير قبل أن تشغلوا عنه بغيره [3] .
لا تؤجل عمل الخير إلى الغد، ومن لا يعمل عندما يستطيع، لا يعمل عندما يريد. وكما يقول : بادِرِ البِرّ؛ فإنّ أعمال البِرّ فرصة [4] .
• المبادرة سر النجاح: يقول الإمام علي : بادِرِ الخيرَ تَرشُد [5] .
• المبادرة سبب للسعادة في الدنيا والآخرة: بادِر الطاعةَ تَسْعَد [6] .
علينا أن نقتبس من هذه السيرة العطرة لأهل البيت فكرة صناعة المبادرات التي ترتقي بمجتمعنا، وأن نحتضن المبادرين الذين يصرفون من وقتهم وجهدهم لأجل خدمة مجتمعهم.
إن محافظة القطيف تحتضن العديد من المبادرات المميزة في شتى المجالات العلمية والاجتماعية والدينية وغيرها، وهي بحاجة إلى دعم معنوي ومادي.
علينا أن ننمي هذه الفكرة بين أوساطنا وأن نشجع كل من يؤسس مشروعًا مميزًا يهدف منه إلى وضع بصمة نجاح إلى مجتمعه.