حقوق المرأة السعودية من المستحيل إلى الممكن
جاءت قرارات الأمس خطوة جريئة ومتقدمة جدا ستنقش بحروف من ذهب على صفحات التاريخ سطرته قيادة المملكة العربية السعودية في التقدم بحقوق المرأة..
وأخيرا تتمكن المرأة السعودية من استخراج جواز السفر الخاص بها دون إذن ولي أمرها والسماح لها بالسفر بحرية دون موافقة وليها اذا تجاوزت سن 21 عام، وما رافق ذلك من تعديلات قانونية في الأنظمة المدنية تصب لصالحها، وقع الخبر صادما للمجتمع السعودي خاصة للمرأة السعودية التي لازالت تعيش حالة من الذهول الممزوجة بالسعادة والفرح بين ماكان مستحيلا وتحول إلى ممكنا يصعب إستيعابه بين عشية وضحاها.
بلا أدنى شك سينعكس هذا القرار ويصب في مصلحة الوطن أولا، وخاصة المرأة التي عانت وصبرت كثيرا حتى تستمتع بحقوقها الأصيلة وكرامتها الإنسانية ثانيا، وعلى المجتمع ثالثاً.
نعم رؤية 2030 تقوم على كل أبناء الوطن من دون استثناء ساعية للعمل على إزالة الفوارق الإجتماعية وتحقيق المساواة، فالمرأة كما الرجل سيان في خدمة المجتمع وبناء الوطن، وفي تحقيق تنمية عادلة راسخة لتأمين رخاء إنساني مستدام.
شكلت قضية المرأة خلال العقود القليلة الماضية واحدة من أبرز القضايا التي شغلت مجتمعنا المحلي بكل فئاته وشرائحه سواء في مجالات الدراسة والعمل والاختلاط والسياقة والولاية والمشاركة العامة والرياضة وكل شيء تقريبا.
هذه القضية استهلكت العديد من الكتابات والخطب والمناهج والكتب والروايات، وحظيت باهتمام بالغ من كل متابع للشأن المحلي بصفتها القضية الأبرز في المجتمع.
لم تكن قضية المرأة قبل الطفرة النفطية و”الصحوة“ بهذه الأهمية، بل كانت تتطور بصورة طبيعية مع تحولات المجتمع ضمن أنساق مفاهيمه ومبتنياته الفكرية وعاداته الاجتماعية. كما كانت تتفاعل مع المحيط العام ضمن الأعراف والتقاليد المقبولة، ويتأقلم المجتمع مع كل تغير جديد بصورة توافقية.
تدريجيا أصبحت صورة المرأة مختلفة، وتغير موقعها الإجتماعي، فأدخلت قسرا في منظومة جعلتها كالمخلوق الغريب على المجتمع، وبالتالي تبدلت طريقة التعامل معها ومع كل ما يتعلق بها وبشأنها. حيث لعبت الثقافة الدينية - المتشددة تحديدا - دورا رئيسا في هذا التحول القسري، وهو ما حوّل موضوع المرأة ووجودها وحياتها إلى إشكالية بعدم المساهمة في تمكينها من إحتلال الحيز المناسب لها في الوعي المجتمعي، وتأطير دورها في قوالب تقليدية تمنعها من التعاطي والتفاعل الطبيعي مع مجتمعها العام.
إضافة إلى السلطوية الذكورية التي أخذت شرعية أكبر وأوسع، وهيمنت على السلوك العام للمرأة ووضعها، وحددت أطرا للمساحة التي يمكن للمرأة التحرك فيها، وأعطت للرجل كل الحقوق المرتبطة بفرض سيادته على المرأة. إن هذه الحواجز لم تقيد حركة المرأة فحسب بل أنها خلقت عزلا نفسيا واجتماعيا مفروضا لم تعهده الأجيال السابقة التي كانت تتعاطى فيما بينها بكل أريحية واحترام واطنئنان وثقة.
أما الآن وقد بدأ نفض الغبار عما تراكم على المفاهيم، وعلى العادات التي تحولت إلى أحكام شرعية، ومع انطلاق المرأة وتقدمها على مختلف الصعد، وحضورها المحلي العالمي، واثبات كفاءتها ودورها، فإنه من اللازم تصحيح هذه المفاهيم، وإعادة الاعتبار لدور المرأة وموقعيتها وتصحيح النظرة حولها والتعامل معها.
لابد من مواجهة التحديات..
تواجه المرأة في مختلف المجتمعات عدة تحديات ومصاعب كبيرة لاثبات دورها ووجودها ومشاركتها العامة، وقد تكون المرأة في مجتمعنا المحلي أكثر عرضة لمواجهة التحديات من غيرها في مجتمعات أخرى. لكنها تمكنت خلال السنوات القليلة الماضية من القفز على الكثير من المصاعب والتحديات وفرض نفسها واثبات وجودها بفعالية مبهرة.
جعلتنا نكتشف أن تغييبها عن ممارسة دورها الطبيعي وحياتها، وتغليف ذلك تحت مبررات اجتماعية وشرعية أحيانا، سبب في أن نفقد طاقة انتاجية كبيرة لا تعوض، وخاصة وأن دورها مهم في كل المجالات الحياتية. ومن المؤكد أنه قد حصل تحول كبير في مشاركة المرأة وتمكينها خلال السنوات الماضية، فقد أصبحت المرأة مشاركة في عضوية مجلس الشورى والمجالس البلدية، وتم تعيين العديد من النساء الكفوءات في مواقع رسمية قيادية.
آن الأوان بأن ندرك أن للمرأة في المجتمع حقوقا طبيعية، علينا أن نقرها وأن نعترف بها ونعمل جميعا على تذليل العقبات التي تحول دون حصولها على حقوقها كاملة، وخاصة بعد أن تم اختيار المملكة عضوا في اللجنة الأممية لحقوق المرأة للفترة 2018 - 2022م، كما سبق وأن صادقت المملكة على اتفاقية مناهضة جميع أشكال التمييز ضد المرأة «السيداو» منذ عام 2000م.
من أجل أن تنطلق قاطرة التنمية والتغيير والتحول، فلا بد من أن يكون للمرأة حضورها ودورها، والخروج من دوائر التفكير الضيقة التي تنظر للمرأة وكأنها إنسان تابع وليس ذات شخصية مستقلة.
ابرز التحديات التي تواجه المرأة،،، هي التشريعات القانونية، فتوفر التشريعات يعد الأرضية الخصبة والمناسبة لتطوير التوجهات والإجراءات اللازمة لدعم مشاركة المرأة في بناء وإعمار الوطن وفي الحياة العملية والنهوض بالتنمية، إن عمل المرآة اليوم أصبح وبحكم التطورات المعيشية والاقتصادية ضرورة ملحة للمساهمة في صناعة حياة كريمة لمئات من الأسر مع حقيقة تفرض علينا التفكير بشكل جاد في كيفية إيجاد الأطر والصيغ القانونية والمعايير الإنسانية والضوابط التشريعية التي تكفل للمرآة العاملة حياة كريمة وبيئة عمل بعيدة عن الانتهاك والتمييز الذي يمكن أن تتعرض له. فالتشريعات الضامنة تحمي المرأة من انتهاك حقوقها وتضمن لها معاملة متساوية ومتكافئة كمواطنة كاملة الأهلية، وتعتبر الحصانة الأبرز التي تتمكن المرأة من مواصلة مساهتمها في بناء المجتمع والمشاركة في دورته الاقتصادية بفاعلية، مما يستدعي تعديل هذه التشريعات وتطويرها لمواكبة الحاجات المجتمعية.
وقد جاءت هذه التعديلات كجزء من منظومة الإصلاحات المجتمعية التي تشهدها المملكة في التحسين القضائي لتكون متوافقة مع التطور الإجتماعي والمسار التنموي في المجالات المختلفة
وفق هذه المتغيرات والمستجدات السريعة وفي ظل هذه القرارات بات ضروريا أهمية العمل على نشر الثقافة الحقوقية التي تعزز احترام المرأة ومشاركتها، وتجاوز الاشكالات والمفاهيم المنغلقة. فأمام هذه القرارات وماسبقها إنكشف واقع الجهل الحقيقي الذي تعيشه الكثير من النسوة تجاه الوعي بحقوقهن وأهميتها، فبعضهن ألفن حياة التهميش والتبعية واستسلمن لسيطرة الرجل يتحكم بهن كما يشاء اعتقادا منهن بأن هذه هي الحياة الطبيعية للمرأة، وبعضهن رافضات لحريتهن في الحركة والتنقل باعتقادهن أن ما عايشنه وتعودن عليه هو الواقع السليم للمرأة، وذهب آخرون من المجتمع ومن النساء أنفسهن منن يعتقدن انه بمجرد ان تحصل المرأة على كافة حقوقها يعني طريقها نحو الإنحراف والهاوية وهذا يفسر لنا عمق الجهل بثقافة حقوق الإنسان وأهميتها.
القافلة تسير والمملكة العربية السعودية ماضية قدماً نحو تمكين المرأة بما يتوافق مع الشريعة الإسلامية التي لا تفرق بين الجنسين في الحقوق والواجبات، والتي ضمنتها كذلك أنظمة الدولة وقوانينها. إضافة إلى أن هذه القرارات لها أهميتها في دعم المرأة وإستقلاليتها الإقتصادية وحقوقها النظامية في حياتها المهنية والعملية.
يبقى التحدي الأكبر الذي سنواجهه جميعا هو مقاومة الاتجاهات المحافظة وحراس الفضيلة التي بدأ يعلو صوتها وصراخها بالقذف والتخوين والتشكيك وترى كل المحظورات في افساح المجال للمرأة، والقدرة على تحقيق التوازن بين أن يكون للمرأة حضورها ومشاركتها دون أن يؤثر ذلك على مكانتها.
أبارك للمرأة السعودية ماتحقق لها من إنجازات قانونية تمثل اعترافا بإمتلاكها لمقومات وجودها الإنساني المستقل وأهليتها، وللمجتمع السعودي نساءا ورجال إنه التأكيد القانوني والعملي لقيمة الإنسان واحترام حقوقه والإعتراف بأهليته الفردية.