وقود الإصلاح الحسيني «7» عبدالله بن الحارث بن نوفل الهمداني
قال الله تعالى: ﴿رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار﴾ «النور37».
وقال جل جلاله: ﴿رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وما بدلوا تبديلا﴾ «الأحزاب 23». وقال العزيز القدير: ﴿رجال يحبون أن يطهروا والله يحب المطهرين﴾ «التوبة 108».
وجاء في كتب الإمام الحسين بن عليّ وهو بمكةّ: «بسم الله الرحمن الرحيم، إلى محمّد بن عليّ ومَن قِبلَه من بني هاشم: أمّا بعد فإنّ من لحق بي استشهد، ومن لم يلحق بي لم يدرك الفتح والسلام». كامل الزيارات «75».
الذي بين أيدينا جوهرة سابعة من خرزات هذه السلسلة المباركة، وهي جوهرة عراقية، التحقت بالركب الإلهي للإمام الحسين ، ولكنها لم تستطع اللحاق به والشهادة في ركابه على تراب كربلاء، لاستشهادها في الكوفة قبل ذلك، وهذه الجوهرة هي:
الاسم الأصلي: عبدالله بن الحارث بن نوفل الهمدانيّ.
الوفاة: سنة 60 أو 61 هـ .
الإقامة: العراق - البصرة
سبب الشهرة: نصرته لمسلم بن عقيل
أعماله البارزة: نصرته لمسلم بن عقيل، وشهادته على الدرب الحسيني.
اللقب: الهمداني. «01»
هو عبدالله بن الحارث بن نوفل بن عمرو بن الحارث بن ربيعة بن بلال بن أنس بن سعد الهمدانيّ. وذكر بعض المؤرخين أنَّ اسمه عبيدالله وليس عبدالله، من شيعة الإمام علي بن أبي طالب ، من أهل البصرة. وذكر بعض المؤرخين أنَّه أدرك النبي ﷺ، وشارك مع أمير المؤمنين في معركة صفين، واستشهد سنة «60 أو 61 هـ ». [1]
ومن المفاصل الغامضة في أحداث الكوفة، هو ردة فعل النظام تجاه المجاهدين الحقيقيين والموالين الصادقين، الذين يتسامى موقفهم عن التلون والتخاذل. والصورة التي بين أيدينا لا يمكنها إلا أن تكون بعض ملامح الصورة الحقيقية، التي تحيط بها مؤشرات كثيرة، تلح علينا أن نبحث عن الملامح المحجوبة. فلقد انتفضت الكوفة عن بكرة أبيها في وجه النظام، وأدخلت الرعب إلى قلب الطاغية ابن زياد، وجعلته يعيش أقسى لحظات حياته كلها. ولئن كان له بعد موت يزيد بن معاوية ما يشبهها في البصرة، من الأزد الحماية والمأوى، فقد كان في الكوفة في ثلاثين من الشرطة وعشرين من ”الأشراف“ المرتزقة. [2]
ويذكر المؤرخون: إنَّه لما ورد كتاب يزيد بن معاوية لعبيدالله بن زياد، وأمره بالخروج إلى الكوفة، انتخب من أهل البصرة خمسمائة رجل فيهم عبداللّه بن الحارث بن نوفل، وأخذ ابن زياد يسرع السير إلى الكوفة، وكان لا يلوي على أحد يسقط من أصحابه، حتى سقط عبداللّٰه بن الحارث وسقط معه ناس، ورجوا أن يلوي عليهم عبيداللّٰه ويسبقه الحسين إلى الكوفة، فجعل لا يلتفت إلى من سقط. [1]
ذكر المؤرخون: إنَّ عبداللّٰه بن الحارث بن نوفل كان يأخذ البيعة من أهل الكوفة للحسين بن عليّ . وذكر الطبري: إنَّ المختار بن أبي عبيد، وعبدالله بن الحارث بن نوفل، كانا قد خرجا مع مسلم بن عقيل، فخرج الأول براية خضراء، والثاني براية حمراء وثياب حمر. [1]
لما سمع مسلم بن عقيل بخبر اعتقال هانئ بن عروة، ركب ونادى بشعاره: «يا منصور أمت»، فاجتمع إليه أربعة آلاف من أهل الكوفة، وكان معه المختار بن أبي عبيد، وعبداللّه بن الحارث بن نوفل، فرتّبهم ميمنة وميسرة، وسار هو في القلب إلى عبيداللّه، وجاء عبدالله بن الحارث برايته فركزها على باب دار عمرو بن حريث، وقال: انّما خرجت لأمنع عمرو؛ لأنَّ ابن الأشعث والقعقاع بن شور الذّهلي وشبث بن ربعيّ قاتلوا مسلماً وأصحابه عشيّة قتالاً شديداً. [1]
لمّا تخاذل النّاس عن مسلم بن عقيل، أمر عبيداللّٰه بن زياد أن يطلب عبداللّٰه بن الحارث، فقبض عليه كثير بن شهاب وسلّمه، وحُبس مع من حُبس. وقد ورد: أنَّ عبيدالله أمر أن يطلب المختار وعبدالله بن الحارث، وجعل فيهما جُعلاً، فأُتي بهما فحبسهما. وقد جاء في رواية أخرى: إنَّ المختار الثقفي كان عند خروج مسلم في قرية له تدعى «خطوانيّة» فجاء بمواليه يحمل راية خضراء، وعبداللّه بن الحارث راية حمراء، وركز المختار رايته على باب عمرو بن حريث، وقال: أردت أن أمنع عمرو، فلما وضح لهما قتل مسلم وهانئ، وأشير عليهما بالدّخول تحت راية الأمان عند عمرو بن حريث، فعلا، وشهد لهما ابن حريث باجتنابهما ابن عقيل، فأمر ابن زياد بحبسهما بعد أن شتم المختار، واستعرض وجهه بالقضيب، فشتر عينه، وبقيا في السّجن إلى أن قتل الحسين . [1] «ويكي شيعة»
لكن الرعب الذي عصف بفرائص ابن زياد بدأ مع اعتقال الشهيد هانيء بن عروة، الذي قدم له عرضاً أن يلحق بالشام سالماً لأنه ”قد جاء من هو أحق منهم “. وبديهي أن ردة فعل الطغاة تتماهى مع حجم الخطر الذي يحدق بهم، فيكاد يلتهمهم الخوف ثم ينجون منه. ولا نجد في الثابت من ردة الفعل إلا مقتل الشهداء مسلم وهانيء وعبدالأعلى وعمارة، وميثم التمار، وسجن عدد من الشخصيات البارزة، كعبدالله بن الحارث والمختار. [2]
ويمكن تحديد مجال الغموض الذي يلف هذه المرحلة بالتالي: إن عدد الذين تم اعتقالهم في الكوفة في سياق أحداث كربلاء، قبل الواقعة وخلالها وبعدها، يتفرع عليه عدد الذين نُكل بهم بالنفي وغيره. وإن عدد الذين استشهدوا داخل الكوفة في هذا السياق، أو صدر الأمر باعتقالهم ليقتلوا، يتفرع عليه عدد الذين هدمت دورهم. [2]
ذكر المؤرخون: أنَّه لما استشهد مسلم بن عقيل أحضر بن زياد ”عبدالله بن الحارث“ وسأله: من أنت؟ فلم يتكلم فقال: أنت ألّذي خرجت براية حمراء، وركزتها على باب دار عمرو بن حريث، وبايعت مسلماً، وكنت تأخذ البيعة من الناس للحسين؟! فسكت، فقال عبيداللّٰه: انطلقوا به إلى قومه واضربوا عنقه. [1]
وهذه نهاية حلقتنا هذه، على أمل اللقاء بكم في حلقة أخرى مع جوهرة أخرى من جواهر الحب الحسيني، نزين بها عقد سلسلتنا هذه، ونتشرف بنشر تاريخها الذي قد نسي في مطاوي تاريخنا المظلم، ولم يتمكن المنبر الحسيني من إشعال شمعتها، لتنير طريقنا إلى سبيل الإصلاح الحسيني.