آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 2:20 ص

ضريبة الوجود

رجاء البوعلي * صحيفة الرأي السعودي

أفكر أحيانًا: لماذا يدفع الإنسان ضريبة وجوده في هذه الحياة؟ وهل هذه الموجودات تشعر بأنها تثقله أم كعادتها الأنانية لا تفكر إلا في ذاتها؟ إن طبيعة العلاقات الإنسانية ثقيلة وتحد الحركة على بعضها البعض بصرف النظر عن إيجابية الحركة أم سلبيتها، فالإنسان ينحو لإسقاط ثقله على المحيط بوعي أو بدونه، فمن يدرك ذلك ويحاول تخفيف وجوده على الآخر؟.

هذه الضغوط تصدر من أفراد قريبين أو بعيدين ولكنهم بشكل أو بآخر يحاولون تقليص المساحة على الآخر، أو سلبها منه في حالات متقدمة، تقول والدتي «بعض العلاقات لنا مخرج منها، وبعضها لا مخرج منها»، فتلفتني عبارتها لقيمة التحرر من ضغوط البشر والحاجة للخلاص الذي ينشده الإنسان إذا اشتدت عليه الظروف.

فمهما تعرضت الحرية لإزعاج من شخص بعيد، فبالإمكان إنهاؤه بمجرد الابتعاد أو الخروج، كما أن قطع الصلة خيار محتمل، بينما يصعب الخلاص في صراع الحرية كلما صدرت من شخص قريب.

هناك تجارب فعلية باهظة الكلفة تهدف لتهديد وسلب الآخرين حريتهم، ومنعهم من ممارستها، كاستيلاء بعض الآباء أو الأزواج على البطاقات البنكية لنسائهم، وسلب حرية التصرف بالمال الخاص بلا حق! أو تعمد عدم إنهاء إجراءات الانفصال بين الزوجين، مما يؤخر تحرر الزوجة من العقد الشرعي والقانوني.

وتتعدد أمثلة مناهضة الحرية من أبسط صورها إلى أشدها وأقساها، فكما نجد امرأة تعمد زوجها عدم إعطائها جواز سفرها بينما هجرها من سنين ولا يدري عن أبنائه، سنجد مجموعة من الناس تراقب حساب تواصل لأحد الأشخاص لا لشيء سوى لتتبع حياته ونقد مقولاته وتحميل منشوراته فوق ما تحتمل، هكذا تتدافع المساحات فيضغط بعضها حرية البعض.

لابد من الإشارة هنا إلى أن هذه الممارسات لا تصدر من روح حرة، لأنها تُظهر مدى هيمنة وتسلط «الأنا» بداخل الذات، التي لم تستطع التحرر من غرائزها الدافعة لكبت الآخرين.

إن الحرية في أبسط أشكالها تتعرض لضغط ومحاولات للحذف بالحجارة، وهذه من سمات الانغلاق الفكري الذي يظل يحارب أي اختلاف حتى المحمود منه، فهو في الأصل يحارب التحرر والحرية.