آخر تحديث: 31 / 10 / 2024م - 11:58 م

أطفالنا ونظام الحماية

رضي منصور العسيف *

قال الإمام الصادق : «بادروا أحداثكم بالحديث قبل أن تسبقكم إليهم المرجئة» [1] .

يقول ”جول هوفمان“ - عالم الأحياء الفرنسي الحاصل على جائزة نوبل في الطب لعام 2011 مناصفةً مع الأمريكي ”بروس باتلر“؛ في مقابلة أجراها معه موقع ”للعلم“: ”إن التطعيم أنقذ حياة مئات الملايين من البشر، خاصة من مرض الجدري الذي فتك بحياة مليار ونصف مليار شخص، وإن الهنود الحمر لم ينقرضوا بسبب تعرُّضهم لمذابح، بل بسبب تعرُّضهم لأوبئة قاتلة ومنها الطاعون“.

تهدف التطعيمات الأساسية إلى حماية الأطفال من الأمراض المستهدفة بالتحصين، والحفاظ على خلو المجتمع من شلل الأطفال، وإزالة الحصبة، والحصبة الألمانية، والنكاف، إضافة إلى خفض معدلات بقية الأمراض المستهدفة بالتحصين.

وكما أن أطفالنا معرضون لتلك الأمراض المعدية الفتاكة، فإنهم معرضون لأمراض أخرى بمسميات «ثقافية، اجتماعية، سلوكية،..» ولذا لابد من تحصينهم وحمايتهم من مضاعفاتها. من خلال برامج حماية تتثمل في:

أولاً: الإرشاد الأسري «الوالدين القدوة»

إن تربية الأبناء تربية صالحة تعتمد اعتمادًا كبيرًا على مكونات شخصية الأب والأم، فكلما كانا أتقياء صالحين ممثلين القدوة الحسنة لأبنائهم فإن النتيجة تكون تخريج جيل صالح، جيل مستقيم. لهذا يقول الإمام علي : إنما قلب الحدث كالأرض الخالية، ما القي فيها من شيء إلا قبلته[2] .

يقول تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ سورة لقمان آية 13.

لقد اشتملت هذه الآية توجيهًا تربويًا يتمثل في إنشاء علاقة من الإرشاد وإعطاء الدروس والحكم التربوية للأبناء، ورسم خريطة للحياة الناجحة لهم وبناء الإنسان الحكيم، ومن توجيهات الآية أيضًا ضرورة بناء علاقة متماسكة متواصلة بين الأجيال «الآباء والأبناء» هذه العلاقة التواصلية تمثل أصل الحماية الأولى للأبناء.

ثانيًا: بناء الطفل المتدين

إن من أكبر الأخطاء التي ترتكب اليوم هي أن المؤسسات التربوية على تنوعها لا تهتم بالفرد إلا بعد بلوغه ولا تلتفت له قبل ذلك في مراحل طفولته الأولى. بينما نجد أمير المؤمنين يقول: العلم في الصغر كالنقش في الحجر [3] .

وهذا يعني أننا مطالبون ببناء عقلية الطفل مبكرًا «السبع سنوات الأولى» روي عن الرسول الأكرم ﷺ: علموا أولادكم الصلاة إذا بلغوا سبعا، واضربوهم عليها إذا بلغوا عشرا، وفرقوا بينهم في المضاجع [4] .

وفي هذا الجانب نؤكد على الاهتمام برياض الأطفال وأن تكون منبعًا علميًا سليمًا يتخرج منه الطفل عارفًا بأولويات التدين.

ثالثاً: بناء الطفل ثقافيًا

روي عن لقمان قوله - لابنه وهو يعظه: يا بني! اجعل في أيامك ولياليك وساعاتك نصيبا لك في طلب العلم، فإنك لن تجد لك تضييعا مثل تركه [5] .

في مواجهة تلك السيول الجارفة من الثقافات والأفكار المستعمرة لعقول أطفال لابد لنا من بناء عقلية الطفل بناءً رصينًا تجعل منه متفحصًا لكل ما يرده من ثقافة.

ويمكن ذلك من خلال:

تشجيع الطفل على القراءة، واختيار الكتاب المناسب، وتحديد الوقت المناسب للقراءة، بعبارة أخرى اصنع أجواء للقراءة في منزلك، ذلك لأن القراءة وسيلة هامة للحصول على المعرفة والاستزادة من الثقافة، ومن ثم زيادة الوعي والفهم عند طفلك.

توجيه الطفل للاختيار السليم من قنوات التواصل الاجتماعي، وتدريبه لكيفية التعامل مع المواقع المشبوهة اللاأخلاقية.

اصطحاب الطفل للمنتديات الثقافية ليعيش أجواء من الثقافة السليمة.

رابعاً: الدروات الدينية الصيفية

روي عن رسول الله ﷺ أنه قال: ما من رجل علم ولده القرآن إلا توج الله أبويه يوم القيامة بتاج الملك وكسيا حلتين لم ير الناس مثلهما [6] .

مما يسعدنا أن نرى البرامج والدورات الدينية في جميع أرجاء مجتمعنا وهي دورات ليست ترفًا أو لهوًا، وإنما هي تهدف إلى تنمية المعارف والمهارات وغرس القيم والمفاهيم الأساسية، وقضاء أوقاتًا من المتعة واستثمار الوقت بشكل صحيح يسهم في بناء شخصية الطفل وهي خطوة أولى تضع الطفل على الطريق المستقيم.

أخيراً لنعمل على حماية أطفالنا من كل ما يسهم في قتل شخصياتهم، ونعمل على غرس اسس التدين والثقافة السليمة في نفوسهم.

[1]  ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 4 - الصفحة 3680



[2]  ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 2 - الصفحة 1400



[3]  موسوعة أحاديث أهل البيت - الشيخ هادي النجفي - ج 6 - الصفحة 81



[4]  ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 4 - الصفحة 3681



[5]  ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 3 - الصفحة 2078



[6]  وسائل الشيعة «الإسلامية» - الحر العاملي - ج 4 - الصفحة 825

كاتب وأخصائي تغذية- القطيف