الوجاهة الإلكترونية
قبل 40 عامًا تقريبًا، كنا نعرف الوجيه الاجتماعي باعتباره شخصية اعتبارية تحمل مزايا ذاتية وأخلاقية وطوعية، تقدم للمجتمع الكثير من الخدمات التي تساهم في سد الثغرة بين السائل والمسؤول، وأحيانًا ترى نفسها قربانًا للناس، كون هذا المنصب الاجتماعي لم يأت من فراغ، ولكن مع تقدم الوقت تغير المفهوم عند شريحة كبيرة، بسبب الظروف الاجتماعية والثقافية والاقتصادية.
إننا نتفق على ضرورة وجود المال في شخصية الوجيه التصدي لحل المشاكل العالقة لا لتسخيرها لمصالح شخصية، للصعود على أكتاف من صنعوه في يوم من الأيام.
الوجاهة الاجتماعية ليس «بشت» يلبس ولا مجلسًا يفتح ولا مالًا يأخذ ولا عطاء يمنح، الوجاهة الحقيقية هي صناعة الناس لك من خلال الشعور بالحاجة لهم والتكافل معهم قدر المستطاع، ليست صورًا تأخذ هنا وهناك، بل هي أكبر من الصورة الذهنية لدى البعض.
التسابق نحو المنصة والتهافت نحو السلام لا يعطيان حجمًا حقيقيًا للإنسان، بقدر البعد عن مواطن السقوط الاجتماعي بالحديث عن الأنا وتحطيم الآخر، ما نراه هذه الأيام هو تآكل في المفهوم الذي تربينا عليه في الماضي الجميل، ذلك الحنان المشبع بالمواقف والدروس والعبر.
هناك الكثير من الشخصيات «الأحسائية» التي حفرت في الذاكرة «الأحسائية» التي قدمت أكثر مما أخذت، لكننا نبتعد عن الأسماء ونلمح بإسهاماتهم الرائعة بالمال والمساعدة ورد الاعتبار، ومن هنا كانت الحاجة ملحة لكتابة هذه المقالة البسيطة لتسليط الضوء على من يرون أنفسهم أهلًا للوجاهة، أن يبتعدوا عن قطف الثمار من أولئك المساكين الذين يعملون حقًا لله وللناس والمجتمع، فنراهم في نهاية كل لقاء وكل برنامج في قائمة الحضور، وكأنهم هم من صنعوا تلك المبادرة أو ذلك المشروع.
إننا لا نبخس حق القليل من الوجهاء الأخيار الذين يهربون عن مواضع التكريم ويعتذرون عن حضورها، بل ويمتنعون عن ذكر أسمائهم ويقعون في الإحراج حين الذكر والإشادة.
الوجاهة الكرتونية لا تكلفك الكثير من المال والحبوة الاجتماعية واللسان الطليق، كل ما عليك اقتناص الأضواء والدخول من المجالس من أوسع أبوابها، وحضور الموائد في ألذ أطباقها والقدرة على اللعب في الدائرة الرمادية.