آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 8:37 م

«مطلوب كفيل»... رقبتي سدادة

عبد الواحد العلوان

الأقتراض والكفالة المالية والغرامية، كابوساً يطارد الكثيرين والخجل سيد الموقف

قال صلى الله عليه وسلم: «من كان بينَه وبين قومٍ عهدٌ، فلا يشدُّ عقدةً ولا يحلَّها، حتَّى ينقضيَ أمدُها أو ينبذَ إليهم على سواءٍ»

مع تسارع تقدم النمو العمراني والأقتصادي في وطننا الحبيب المملكة العربية السعودية، تسارعت كذلك بعض الإجراءات المالية، وأرتفعت نسب القضايا المالية والتي أُحيلت مؤخراً للمحاكم الشرعية والدور القضائية، وأصبحت الحاجة للمال أكثر وأكبر، وأصبحت التعاملات المالية هي العنوان الأبرز للوفاء بالعهود..

كلمات ترددت كثيراً في الوسط الأجتماعي

أكفلني وبعد بكرة أحول المبلغ في حسابگ..

أكفلني وأنا بقوم بالسداد القسط الشهري نيابة عنگ..

أكفلني سأشتري سيارة بأسمك وأنا من يدفع أقساطها..

أكفلني سأشتري منزل جديد وأنا من يقوم بسداد الدفعات المترتبة عليه..

أكفلني هي كلمة عاطفية تحث الآخر على المساعدة والوفاء وقوةالعلاقات الطيبة ومظهرها جميل جداً ولكنها سُم تجرعه الكثير والكثير لازال في دوامة لم يستطع الخروج منها..

تعددت الأسباب والأشكال والكلمات والنهاية واحدة «كفالة وقرض مالي»..

أكفلني

كلمة لطالما ترددت كثيراً في الوسط الأجتماعي، والأسري وبين الأصدقاء والزملاء في المجال الوظيفي، وسببت أرق كبير في هذه الأوساط، حتى باتت هذه الكلمة كالخنجر الذي غُرس في خاصرة أحدهم، وظل ينزف جراء هذه الطعنة لسنوات طويلة ولكن هل من مُنقذ..؟

هذا السؤال يطرحه الكثير ويتداول كثيراً وخلف تلك الجدران وتلك الوجوه قصص تكاد أن تُبكي الحجر ومن يستمع لها..

أكفلني ياصديقي لاعليگ..

تكفى ياصديقي، ياخوي أنني أمر بضائقة مالية، وأود تحسين وضعي المعيشي، وأود شراء سيارة جديدة، وأود الأقتراض من بنك التسليف، وأود طلب قرض أسري، وأود طلب قرض ترميم، كل هذه الأجراءات المذكورة لا تتم إلا ”كفالة شخصية“..

كفالة شخصية حنيما تود الأقتراض من أي جهة حكومية، أو خاصة، أو بنگ وغيره من التعاملات المالية، والتي توجب على المقترض أحضار كفيل غارم،، أو تقوم بالأقتراض لأحدهم، وتقوم بالسداد نيابة عنه، في حين تخلفه عن السداد..

يذكر لي قبل أيام صديق وزميل معي في الوظيفة، ياعبدالواحد أعطني رأيك في أمر سرق من عيني المنام، وجعلني أركض وأبحث عن أسباب ومبررات لم اتحصل عليها، وحلول طالت والألم يخنقني..

قلت له ياصاحبي وش الموضوع..؟!

قال جائني صديق لي وعزيز ورجل محترم وقدير وجار لي في المنزل، وطلبني أن أقوم بكفالته، حيث انه يشتري منزل وينقصه بعض المال، وأراد الأقتراض وتم طلب الكفالة الشخصية عليه، كفلته بمبلغ 180 ألف ريال، سدد منها لمدة 12 شهراً تقريباً، وبدأ يتقاعس عن السداد، وأصبح البنك يخصم القسط الشهري من راتبي..

أكمل صديقي حديثه والغبنه والغصة تكاد تخنق أنفاسه..اتصلت في الجار العزيز، وش السالفة ياجاري، البنك بدا يخصم القسط الشهري من حسابي وراتبي، قال للأسف ماعندي أسدد ومتضايق مالياً، أخبرته بأنني كذلك لدي ضائقة مالية، ويتوجب عليك السداد، قال ماعندي أسدد وش يبون يسجنوني دعهم يسجنوني، أنا ليس لدي مال ووضعي المالي للأسف ضائق..

يكمل صديقي وهو منهار نفسياً والحيرة والألم يخيم عليه:

ياعبدالواحد وش أسوي معه، أول ماجاني وطلبني أكفله... كان رجل محترم وخلوق ولم يتبادر في ذهني انه سيرميني في النار، ويجعلني أقترض له وأكفله، وبالنهاية يتركني بهذه الورطة، ماذا علني أعمل معه الآن..

أكفلني

هذه الكلمة التي جعلت القيود في أيدي وأقدام كثير من الناس، وجعلتهم خلف القضبان يقضون محكوميات وأحكام قضائية، نتيجة عجزهم عن السداد..

هل أصبح بعض البشر لايخجل ولايستحي من مجازاة صاحب المعروف عليه، باللؤم وعدم الوفاء معه بالألتزامات المالية، والعهود والمواثيق..؟

كم سجين وقع في السجن نتيجة كرمه، ونتيجة مواقفه ومعروفه التي ظن بأنه وفي لصديق أو قريب أو جار عزيز، بدلاً من أن يكون صاحبك وفي وصديق صدوق ورجل، يرد الجميل وفوقه الشكر والعرفان بموقفك معه، هكذاً تُعضّ اليد التي تُكرِم..

تذكرت في السابق وأنا أتصفح أحد المجلات قبل عشرون عامً، سطرين مكتوبين بالعنوان العريض..

يقول العنوان البارز: إذا جائك أحد الأصدقاء أو الأقرباء، يطلب منك المال، أو القرض، أو الكفالة المالية، دعه يقبل يدك وقدمك ورأسك قبل أن تعطيه أي مبلغ، لأنك بعدما تعطيه النقود ستُقبل أصابع قدميه، وستُقبل الأرض التي يمشي عليها لتسترجع جزأًمن نقودگ، وليس كاملها..

كُنت دائماً صريح وشفاف في التعاملات المالية، وكذلك أمين وصادق مع نفسي قبل التعامل مع أي شخصولذلك كُنت أحرص دائماْ وأتحدث مع الجميع المقربين والأصدقاء بالحذر الشديد من هذه التعاملات، والتي تكاد تكون على السجية، وتؤخذ بداية الأمر بالصداقة والعلاقة الطيبة، ولكنها نهاية الأمر وخواتيمه تنتهي في المحاكم الشرعية والخلافات الأسرية والأجتماعية هي الأبرز..

ما أن يخرج المال من جيبك أو القرض يتسلمه المقترض حتى تجعله في ودائع الله وأمانة الله حتى يعود لك، لأن الوفاء بهذه التعاملات المالية أصبح كابوساً يطارد الكثيرين، وأصبح في وقتنا الراهن قليل، وكأننا نعيش في زمان أنسلخت منه القيم والأخلاقيات والصفات الأسلامية..

هل ياسيدي العزيز س تقوم بكفالة أحدهم بعد اليوم بدون ميثاف وعهد وألتزام رسمي يُلزم الطرف المقترض ويقيك مخاطر السجن والأحكام القضائية، أقولها هنا ليس لأنهاء المعروف بين الناس وأنهاء عمل الخير ولكن لحماية نفسك وأسرتك وحياتك من بعض البشر الذين لايردعهم رادع..

أحرص قبل أن تُقرض كائن من كان ولو كان أقرب الأشخاص إلا عن طريق محامي رسمي ليكتب وثيقة ومعاهدة موقعة رسمية وعليها شهود، تُلزم الطرف المقترض بالسداد أو التنازل عن ممتلكاته مقابل الوفاء بالقرض والدين الذي تم اخذه منك، وبهذا لعل وعسى تنجو من طوفان قادم الأيام..