باقر القلم
مرّ يوم الأب الذي يحتفي فيه الجميع بمن غرس في نفوسنا الحُب والخير ورسم على وجهنا الابتسامة التي صنعها من كفاحه اللامحدود فوشم على وجهه فنون التجاعيد المتعبة التي تنطق معاني العزة والكرامة في البذل والعطاء اللامتناهي.
وفي يومك يا والدي الأعز، أتذكر والدًا عزيزًا كان سندًا ومعلمًا بما تعنيه الكلمة، هو الإنسان الذي لم يبخل بوقته ولم يتكبر رغم كِبره ورغم ما يملكه من ثقافة واطلاع وتجربة، بل كان يتواضع أمام الصغير ليعلمه ويرشده من صميم خبرته وتاريخه المخضرم المليئ بالتجارب والقراءات.
أبي الأستاذ والكاتب باقر الشماسي «أبوسلام» حفظه الله وعافاه، كان ولا زال لي أبًا ومُعلمًا، تعلمت ونهلت منه الكثير في جوانب عديدة من أهمها الجانب الثقافي والاجتماعي والتاريخي لمنطقة القطيف، حيث كان موسوعةً علمية مليئة بالحب والصدق والعطاء والتجربة كنخلة متجذرة في أرض القطيف.
وهو من أهدى مكتبتي المتواضعة كتاب ساحل الذهب الأسود لـ محمد سعيد المسلم. وكان شديد الحرص أن أُتم قراءته وأستفيد منه تمام الاستفادة.
وكان له من اسمه نصيب؛ فبالرغم من كبر سنه إلا أنه يحمل روح الشباب التي لا تيأس، حيث وصل ضعف نظره لمرحلة لا يستطيع فيها القراءة إلا ب «المكبرة» إلا إنه كان نهماً في القراءة وواصل كتابة المقالات المتنوعة ويداه ترتجفان من التعب وضعف الأعصاب.
لم يكن أبو سلام يهتم بمن سينشر رأيه أو مقالاته من الصحف رغم ما حصل عليه من عروض مادية للكتابة، ولكن كان شرطه وحرصه في عدم تغيير حرف واحد مما يكتبه أو يطرحه من رأي سببًا في عدم قبوله لأي عرض مادي أو غيره.
كان أبو سلام يقرأ جميع ما أكتبه بدقةٍ متناهيةٍ ويضع ملاحظاته على كل كلمة وحركة ثم يوجهني ويشجعني تارةً ويناظرني ويناقشني تارةً أُخرى.. ويختلف معي بشدة فيما نختلف فيه من رأي أو غير ذلك من القراءات النقدية لأي كتاب أو رأي أو قضية اجتماعية او تاريخية... الخ.
الأستاذ باقر الشماسي هو كاتب في زمن فقدنا فيه الكتابة حيث كان من رعيل الكتّاب المخضرمين متميز بآراءه وآماله وطموحاته ومصداقيته.
فقد كان يُعبر من قلبه عن كثير من الموضوعات الاجتماعية والوطنية الحريصة على ترسيخ روح الإنسانية بين الناس ومقت كل ما هو طائفي وبغيض.
واليوم بكل أمانة تفتقد الساحة هذا الكاتب المخلص والمتفاني لمجتمعه ووطنه بعد أن أعياه المرض وشلّ حركته الجسدية وبقت نبضات مدوناته وكلماته وابداعاته منثورة كورودٍ في حديقة الصحف والمنتديات والصوالين الثقافية.
ختامًا لن أوفيك يا أبا سلام حقك في مختصر الكلام ولا أريد الاسهاب في إضاءة ما هو ضياء.
فأنت من دوَّنت العطاء من دموعك المملوءة بالوفاء وأشعلت الشموع من قلبك المملوء بالحُب والجمال.