آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 2:20 ص

الحاجة للحرية

رجاء البوعلي * صحيفة الرأي السعودي

يقول «نيتشه»: «الأنانية هي هذا القانون المحدد للشعور، الذي على أساسه تكون الأشياء الأقرب هي الأكبر والأثقل، في حين أن كل تلك التي تبتعد تقل حجمًا وثقلًا»، فهل أصاب نيتشه؟.

طُبعت النفوس على حب الذات الذي يصل في كثير من الأحيان إلى الأنانية، ما يقتضي عدم الشعور بالآخرين، هذا المستوى من الحس لا يقف عند حد الحاجات المادية، بل يسيطر أيضًا على أساليب التفكير للإنسان، وهذا ما يُفسر فرط الإحساس بالأشياء الشخصية والمتعلقة بالفرد ذاته، بينما تبلده تجاه ظروف الآخرين، فماذا لو أخذنا الحاجة للحرية كمثال على هذه الأنانية المتفاوتة؟

إن تجربة السؤال لمجموعة من الأفراد عن ماهية الحرية، سترتبط بحاجتهم لها وطبيعتهم الشخصية، فهواة الطهي لن يتحدثوا عن حرية الصحافة وقد لا يدرون بتاتًا أن هناك سقفًا محددًا لكل صحيفة إخبارية، بينما يمكنهم الإبداع في الحديث عن حرية اختيار الأصناف والأطباق الرئيسية من المطبخ الإيطالي وبدائلها الصحية لمتّبعي الحميات الغذائية، كما أن المرأة المطلقة تُدرك تمامًا الأبعاد الإيجابية والسلبية للولاية وكذلك لديها تنبؤات محتملة بعد إسقاط نظام الولاية، إنما المتزوجة حديثًا والتي مازالت تقضي شهر العسل في جزر المالديف لا تدري شيئًا عن هذه التعقيدات.

أما المرأة الريفية التي لم تخرج من القرية، ستظل تندد بهذه المطالب وتنعت النساء بالتمرد من أجل الفساد فقط، فهي ترى أن المطالبة بإسقاط الولاية ليست إلا مطالبة بإسقاط العفاف والأخلاق في مجتمعها الملائكي المُختار.

فالحرية تأتي وفق أولويات الإنسان، وهنا يظهر التفاوت في المطالب والاحتياجات، وهكذا تزول أوهام القلق من الحرية وتتبدد الأعذار الواهية بمجرد تغيُر الظروف، وتبقى الفئة الأقلية هي التي تتجاوز أنانيتها بإحساسها باحتياجات الآخرين ومعاناتهم، مُمثلة دورًا إنسانيًا نبيلًا جدًا.

يشاركنا حديثنا «غوته» بمقولته «يتصور الطحان أن القمح إنما ينمو لتشغيل حانوته» إنها رمية لكل فرد في هذا العالم، تلفت عنايته بأن الحرية كلمة واحدة لها معانٍ وانعكاسات وآفاق مختلفة من حالة لأخرى، وأن المفاهيم والأمنيات لاتقف عند حد واحد قاصر في معظم الأحيان، بل تتجاوز لتواكب هذا التنوع البشري الهائل.