آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 11:37 م

غاية لا تدرك

ياسين آل خليل

جميعنا نتذكر قصة الرجل وابنه والحمار عندما دخلوا قرية لقضاء حوائجهم، وكيف أنهم لم يسلموا من السنة الناس ونقدهم لهم في أمر يخصهم دون غيرهم. الناس على اختلاف طبائعهم ونفسياتهم، دائمًا وأبدًا لديهم ما يقولونه فيك. فأحيانًا يفكرون بك إيجابًا فيرفعوك إلى السماء، وأحيانا أخرى يخيب ظنهم بك، ما يجعلهم يخسفون بك الأرض أن استطاعوا، بل وينظرون إليك من موقع الاستعلاء والكبر. إذن هذه سجية البشر من قبل ومن بعد، هم دائمًا لديهم شيئًا ما يقولونه أو يفكرون به تجاهك، وإن لم تقم أنت بفعل ما يستفزهم أو يحرك مشاعرهم.

عندما أخذ الرجل طريقه عبر القرية، وتعرض للكثير من الإستهزاء والضحك والنقد، لم يتعدى عدد الأفراد الذين استصغروه ضعف عدد أصابعه، وكان من السهولة بمكان التعامل مع هذه الفئة القليلة وإقناعهم بصوابية أفكارهم أو عدمها. اليوم عندما تركب حمارك عبر السوشل ميديا، فأنت لا تتعدى كونك قشة تتلقفها الأمواج في بحر لجّي لا تعرف أبعاده ولا عمقه الحقيقي، مما يجعل من عملية الرصد والتتبع للأفكار وإيصالها بعفوية، أمر في غاية الصعوبة والتعقيد.

بداية، عندما تقرر الكتابة أو التواصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، عليك توخي الحذر والحرص على أن لا تضع نفسك موضع الحكم في تفاعلاتك مع الآخرين. نظرًا لأن الأشخاص الذين يتعاملون مع الأحكام لا يخبرون الحقيقة، فهم يعيشون في عالم من الافتراضات الخاطئة. لهذا يتساءل البعض، لماذا هذه الأحكام الجائرة تبقى على ما هي عليه، ولا تكاد تتغير مع تغير الوسائل ومرور الأيام والسنين؟

لنرجع قليلًا الى حكايتنا المعروفة، عن الحمار وأهل القرية وكيف أنهم وصفوا صاحب الحمار بالرجل السادي عندما كان هو وابنه يركبان الحمار سوية. وفي المرة الأخرى وصفوه بالرجل القاسي عندما ركب هو على الحمار وجعل ابنه يمشي خلفه. كما أنه لم يسلم من النقد عندما أمر ابنه أن يركب الحمار ويمشي هو مكانه، حيث تحول النقد الى الإبن وأنه ولدٌ غير بار لأبوه. قرر بعدها الأب والإبن أن يرتجلا دون أن يركب أي منهما على ظهر الحمار، فما كان من الناس إلا أن وصفوهم بالغباء لعدم استخدامهم وسيلة النقل التي لديهم. أخيرًا قرر الأب أن يقنع ابنه في أن يشترك معه في حمل الحمار على أكتافهم، ظنًا منه أنه سيسلم من النقد هذه المرة، إلا أن الناس وصفوهم بالجنون. إذن بعد أن استنفد الرجل جميع محاولاته ليسلم من حكم الناس عليه، باءت جميع محاولاته بالفشل. من هذه القصة القصيرة والمعبرة نستنتج أن الإنسان يجب أن لا يستسلم لأحكام الناس، حتى لا يغزوه في صورته الذاتية، ويبقى خالي الوفاض، لا يملك من أمره شيئًا.

الحياة أكثر بكثير من مجرد ركوب حمار، لذا احتفظ برأسك عاليا، ولا تدع همسات الناس تثنيك من ركوب حمارك بالطريقة التي تعجبك والتي تراها صحيحة ومناسبة. بغض النظر عما يقال، عليك أن تتفهم بداية، أن أي سلوك تحركه الشخصية، قلّ ما يمكن لأحد تغييره. يتوجب على الناس كسر الروتين والعادات السلبية، والتي بدورها تهدم ولا تبني، وتفسد العلاقات ولا تقويها. أما يهمنا في هذه الحكاية، هو تنميتنا للوعي الذاتي، وأن نقر بأن رضا الناس، غاية لا تدرك.